وظاهر الآية يدلّ على إباحة الانتشار في الأرض لطلب رزق في الدنيا أو ثواب في الآخرة. (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) أي لما عليكم ووفّقكم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي تدخلون الجنة فتقيمون فيها ، والفلاح البقاء.
(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (١١)
(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) اختلف العلماء في اللهو هاهنا ، فروى سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال : كانت المرأة إذا أنكحت حرّكت لها المزامير فابتدر الناس إليها فأنزل الله جلّ وعزّ هذا. وقال مجاهد : اللهو الطبل. قال أبو جعفر : والقول الأول أولى بالصواب ؛ لأن جابرا مشاهد للتنزيل ، ومال الفرّاء (١) إلى القول الثاني لأنهم فيما ذكر كانوا إذا وافت تجارة ضربوا لها بطبل ، فبدر الناس إليها. وكان الفرّاء يعتمد في كتابه في المعاني على الكلبيّ والكلبي متروك الحديث. فأما قوله جلّ وعزّ (انْفَضُّوا إِلَيْها) ولم يقل : إليهما فتقديره على قول محمد بن يزيد وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها ثمّ عطف الثاني على الأول فدخل فيما دخل فيه. وزعم الفرّاء (٢) أن الاختيار أن يعود الضمير على الثاني ، ولو كان كما قال فكان انفضوا إليه ، ولكنه يحتجّ في هذا بأن المقصود التجارة. وهذا كله جائز أن يعود على الأول أو على الثاني أو عليهما. قال جلّ وعزّ (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) [النساء : ١١٢] فعاد الضمير على الثاني ، وقال جلّ وعزّ (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) [النساء : ١٣٥] فعاد عليهما جميعا (وَتَرَكُوكَ قائِماً) نصب على الحال أي قائما تخطب. (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) أي ما عنده من الثواب. (وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) أي فإيّاه فاسألوا وإليه فارغبوا أن يوسّع عليكم.
__________________
(١) و (٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٥٧.