(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٨)
(هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) قال محمد بن يزيد : أي بما تمضون فيه قال : ومنه حديث مستفيض ومستفاض فيه إذا شاع حتّى يتكلم النّاس فيه (كَفى بِهِ شَهِيداً) نصب على الحال ، ويجوز أن يكون نصبا على البيان والباء زائدة جيء بها للتوكيد ؛ لأن المعنى : اكتفوا به ، قال : فإذا قلت : كفى بزيد ، فمعناه كفى زيد.
(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٩)
(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) قال محمد بن يزيد : البدع والبديع الأول. يقال : ابتدع فلان كذا ، إذا أتى بما لم يكن قبله ، وفلان مبتدع من البدعة وهي التي لم يتقدّم لها شبه ، وقال عزوجل (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة : ١١٧] أي مبتدئهما. (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) حذفت الضمّة من الياء لثقلها ، وكذا وإن أدري.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٠)
(وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) قيل : شاهد بمعنى شهود تشهد جماعة من بني إسرائيل ممن أسلم على أنهم قد قرءوا التوراة. وفيها تعريف نزول القرآن من عند الله جلّ وعزّ ومن أجّل ما روي في ذلك ما رواه مالك بن أنس عن أبي النّضر عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه ، قال : ما سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يشهد لأحد يمشي على الأرض أنه من أهل الجنة إلا عبد الله بن سلام ففيه نزلت (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) قال أبو جعفر : ومع هذا فقد عارض هذا الحديث علماء جلّة منهم مسروق والشّعبي فقالا : لم تنزل في عبد الله بن سلام ؛ لأن السورة مكّية وعبد الله بن سلام بالمدينة ، وإنما نزلت في غيره. والحديث صحيح السند وقد احتجّ على من أنكر ذلك بأن السورة وإن كانت مكّية فإنه قد يجوز أن يضمّ إليها بعض ما أنزل بالمدينة لأن التأليف من عند الله جلّ وعزّ يأمر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما أحبّ وأراد. فهذا قول بيّن ، وقد قيل : إنّ قريشا وجّهت من مكّة إلى المدينة لأنه كان بها علماء اليهود يسألون عن أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم فشهد عبد الله بن سلام بنبوته صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله جلّ وعزّ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) الآية ومع هذا كلّه فإنّ الحديث ، وإن كان صحيح السند فقد قيل : إنّ الذي في الحديث من قوله وفيه نزلت ليس من كلام سعد وإنما هو من كلام بعض المحدّثين خلط بالحديث ولم يفصل.