مبوّءا ، والوجه الثاني أن تكون اللام متعلقة بالمصدر مثل «ومن يرد فيه بإلحاد» ، والوجه الثالث أن تكون اللام زائدة ، وهذا قول الفراء (١). قال : مثل (رَدِفَ لَكُمْ) [النمل : ٧٢] (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) في «أن» ثلاثة أوجه : قال الكسائي : في المعنى «بأنّ لا» ، والوجه الثاني أن تكون «أن» بمعنى أي مثل (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص : ٦] ، والوجه الثالث تكون «أن» زائدة لتوكيد مثل (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) [يوسف : ٦٩] وفي قوله : (لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) وفي (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) وما بينهما من المخاطبة ثلاثة أوجه كلّها عن العلماء : فأما قول المتقدّمين فإنّ هذا كلّه مخاطبة لإبراهيم عليهالسلام. كما روى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال لإبراهيم عليهالسلام : (أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) فجعل لا يمرّ بقوم إلّا قال : إنه قد بني لكم بيت فحجوه فأجابه كل شيء من صخرة وشجرة وغيرها بلبّيك اللهمّ لبّيك. وروى حماد بن سلمة عن أبي عاصم الغنويّ عن أبي الطفيل قال:
قال ابن عباس : أتدري ما كان أصل التلبية؟ قلت : لا ، قال : لمّا أمر إبراهيم عليهالسلام أن يؤذّن في الناس بالحجّ خفضت الجبال رؤوسها له ، ورفعت له القرى ، فنادى في الناس بالحجّ فأجابه كلّ شيء بلبيّك اللهمّ لبّيك ، فهذا وجه. وقيل : (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) لإبراهيم عليهالسلام. وتمّ الكلام. ثم خاطب الله جلّ وعزّ محمدا عليهالسلام فقال : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) أي أعلمهم أن عليهم الحجّ ، والوجه الثالث أنّ هذا كله مخاطبة للنبيصلىاللهعليهوسلم وهذا قول أهل النظر ؛ لأن القرآن أنزل على النبيّ عليهالسلام فكلّ ما فيه من المخاطبة فهي له إلّا أن يدلّ دليل قاطع على غير ذلك ، وهاهنا دليل آخر يدلّ على أنّ المخاطبة للنبيّ عليهالسلام وهو «أنّ لا تشرك» بالتاء ، وهذا مخاطبة لمشاهد ، وإبراهيم عليهالسلام غائب. فالمعنى على هذا وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت فجعلنا لك الدلائل على توحيد الله جلّ وعزّ ، وعلى أن إبراهيم كان يعبد الله وحده فلا تشرك بي شيئا ، وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ، وأذن في الناس بالحجّ. قيل : المعنى أعلمهم أنك تحجّ حجّة الوداع ليحجّوا (يَأْتُوكَ رِجالاً) نصب على الحال. (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ) فيه ثلاثة أوجه : «يأتين» لأن معنى ضامر معنى ضوامر ، فنعته بيأتين ، وفي بعض القراءات يأتون (٢) يكون للناس.
قال الفراء : ويجوز يأتي على اللفظ.
(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) وقرأ أهل الكوفة بإسكان باللام (٣) ، وهو وجه بعيد في
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٢٣.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ٩٥ ، وهي قراءة ابن مسعود.
(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٢٤.