٣٠
شرح إعراب سورة الرّوم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال أبو جعفر :
هذه قراءة أكثر الناس ، وروي عن أبي عمرو وأبي سعيد الخدري أنهما قرءا الَم غَلبَتِ الرُّومُ(١) وقرءا سَتُغْلَبُونَ (٢) ، وحكى أبو حاتم أن عصمة روى عن هارون أن هذه قراءة أهل الشام ، وأحمد بن حنبل يقول : إن عصمة هذا ضعيف ، وأبو حاتم كثير الرواية عنه والحديث يدلّ على أن القراءة (غُلِبَتِ) بضم الغين ؛ وكان في هذا الإخبار دليل على نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، لأن الروم غلبتها فارس فأخبر الله جلّ وعزّ أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين ، وأن المؤمنين يفرحون بذلك لأن الروم أهل كتاب فكان هذا من علم الغيب الذي أخبر الله جلّ وعزّ به مما لم يكن وأمر أبا بكر رضي الله عنه أن يراهنهم على ذلك ، وأن يبالغ في الرهان ثم حرم الرهان ونسخ بتحريم القمار (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) زعم الفراء (٣) أن الأصل من بعد غلبتهم فحذفت التاء كما حذفت في قوله : (وَأَقامَ الصَّلاةَ) [النور : ٣٧] ، وهذا غلط لا يخفى على كثير من أهل النحو لأن «أقام الصلاة» مصدر حذف منه لاعتلال فعله فجعلت التاء عوضا من المحذوف ، و «غلب» ، ليس بمعتل ولا حذف منه شيء وقد حكى الأصمعي : طرد طردا وحلب حلبا وغلب غلبا فأيّ حذف في هذا ، وهل يجوز أن يقال : في أكل أكلا وما أشبهه حذف منه. (فِي بِضْعِ سِنِينَ) حذفت الهاء من بضع فرقا بين المذكّر والمؤنّث ، وفتحت النون من سنين لأنه جمع مسلّم ، ومن العرب من يقول في بضع سنين كما يقول : من غسلين
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٣١٩.
(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ١٥٧.
(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٣١٩.