هُوَ صالِ الْجَحِيمِ). وعن ابن عباس : ما أنتم بمضلّين إلّا من قدّر عليه أن يضلّ.
وروى أبو الأشهب جعفر بن حيان عن الحسن قال : يا بني إبليس ما أنتم بمضلّين أحدا من الناس إلّا من قدّر الله عليه أن يضلّ. قال أبو جعفر : ففي هذه الآية ردّ على القدرية من كتاب الله جلّ وعزّ ، وفيها من المعاني أنّ الشياطين لا يصلون إلى إضلال أحد إلّا من كتب الله جلّ وعزّ عليه أنه لا يهتدي ، ولو علم الله جلّ وعزّ أنّه يهتدي لحال بينه وبينهم. وعلى هذا قوله جلّ وعزّ (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) [الإسراء : ٦٤] أي لست تصل منهم إلى شيء إلّا إلى ما في علمي. قال الفراء (١) : أهل الحجاز يقولون : فتنته ، وأهل نجد يقولون : أفتنته.
وعن الحسن أنه قرأ (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) (٢) بضم اللام فجماعة من أهل العربية يقولون : لحن لأنه لا يجوز : هذا قاض فاعلم. قال أبو جعفر : ومن أحسن ما قيل فيه ما سمعت من عليّ بن سليمان يقول. هو محمول على المعنى لأن معنى «من» جماعة فالتقدير : فيه صالون ، فحذفت النون للإضافة وحذفت الواو لالتقاء الساكنين ، وفيهما قول آخر : أن يكون على القلب فإذا قلب قيل : صايل ثم يحذف الياء فيقال :
صال كما يقال : شاك.
فيه تقديران عند أهل العربية : أحدهما وما منا إلّا من له وحذفت من وهذا مذهب الكوفيين ، وفيه ما لا خفاء فيه من حذف الموصول ، والقول الآخر أنّ المعنى : وما منّا ملك إلّا لهم مقام معلوم ، وهذا قول البصريين. فأما اتصال هذا بما قبله فإنه فيما يروى أن الملائكة تبرّأت ممّن يعبدها ، وتعجبت من ذلك لاجتهادها فقال : وما منا إلّا له مقام معلوم.
وفي الحديث عن جابر بن سمرة قال : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونحن في المسجد فقال : «ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربهم. فقلنا يا رسول الله كيف تصفّ الملائكة عند ربهم؟ قال : يتمّمون الصفوف ويتراصون في الصفّ» (٣).
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٩٤.
(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٦٢ ، ومعاني الفراء ٢ / ٣٩٤.
(٣) أخرجه أبو داود في سننه ، الصلاة رقم (٦٦١) وابن ماجة في سننه رقم (٩٩٢).