قبلنا. قال أبو جعفر : وهذا غلط لأنه قد يكون المعنى ويبيّن لكم أمر من قبلكم ممن كان يجتنب ما نهي عنه ، وقد يكون يبيّن لكم كما بيّن لمن قبلكم من الأنبياء ولا يومى به إلى هذا بعينه.
(وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً(٢٧) يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (٢٨)
(وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) ابتداء وخبر وأن في موضع نصب بيريد وكذا (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ). (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ) اسم ما لم يسمّ فاعله (١). (ضَعِيفاً) على الحال. ومعناه أنّ هواه يستميله وشهوته وغضبه يستخفّانه وهذا أشدّ الضعف فاحتاج إلى التخفيف.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٢٩)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) أي بالظلم ويدخل في هذا القمار وكلّ ما نهي عنه. (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (٢) هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو ، وقرأ الكوفيون (تِجارَةً) بالنصب. وهو اختيار أبي عبيد. قال أبو جعفر : النصب بعيد من جهة المعنى والإعراب. فأما المعنى فإن هذه التجارة الموصوفة ليس فيها أكل الأموال بالباطل فيكون النصب ، وأما الإعراب فيوجب الرفع لأن «أن» هاهنا في موضع نصب لأنها استثناء ليس من الأول «وتكون» صلتها ، والعرب تستعملها هاهنا بمعنى وقع فيقولون : جاءني القوم إلّا أن يكون زيد ولا يكاد النصب يعرف. (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) نهي : (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) أي فبرحمته نهاكم عن هذا ومنع بعضكم من بعض.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٣٠)
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي من يقتل نفسه ، ويجوز أن يكون المعنى من يفعل شيئا مما تقدّم النهي عنه. (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) حذفت الضمة من الياء لثقلها. (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) اسم كان وخبرها.
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٣١)
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ) جمع كبيرة وهمز الجمع لالتقاء الساكنين ولم يكن للياء
__________________
(١) انظر مختصر ابن خالويه (٢٥).
(٢) انظر تيسير الداني ٧٩.