(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٩)
(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) لام النفي وأن مضمرة إلّا أنها لا تظهر. ومن أحسن ما قيل في الآية أن المعنى ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمنين بالمنافقين حتى يميّز بينهما بالمحنة والتكليف فتعرفوا المؤمن من المنافق والخبيث المنافق والطيب المؤمن. وقيل : المعنى ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الإقرار فقط حتى يفرض عليهم الفرائض ، وقيل : هذا خطاب للمنافقين خاصة أي ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من عداوة النبيّ صلىاللهعليهوسلم. (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) أي ما كان ليعيّن لكم المنافقين حتّى تعرفوهم ولكن يظهر ذلك بالتكليف والمحنة وقيل : ما كان الله ليعلمكم ما يكون منهم (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) فيطلعه على ما يشاء من ذلك.
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١٨٠)
قرأ هل المدينة وأكثر القراء : (وَلا يَحْسَبَنَ) بالياء في الموضعين جميعا وقرأ حمزة بالتاء (١) فيهما ، وزعم أبو حاتم : أنه لحن لا يجوز وتابعه على ذلك جماعة ، وقرأ يحيى بن وثاب (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) [آل عمران : ١٧٨] بكسر «إن» فيهما جميعا. قال أبو حاتم : وسمعت الأخفش يذكر كسر «إن» يحتجّ به لأهل القدر لأنه كان منهم ويجعله على التقديم والتأخير أي ولا يحسبنّ الذين كفروا إنما نملي لهم ليزدادوا إثما إنما نملي لهم خير لأنفسهم. قال : ورأيت في مصحف في المسجد الجامع قد زادوا فيه حرفا فصار : إنّما نملي لهم ليزدادوا إيمانا ، فنظر إليه يعقوب القارئ فتبيّن اللحق فحكّه. قال أبو جعفر : التقدير على قراءة نافع أنّ «أنّ» تنوب عن المفعولين ، وأما قراءة حمزة فزعم الكسائي والفراء (٢) أنّها جائزة على التكرير أي ولا تحسبنّ الذين كفروا لا تحسبنّ إنما نملي لهم. قال أبو إسحاق(٣) : «أنّ» بدل من الذين أي ولا يحسبن أنما نملي لهم خير لأنفسهم أي إملاءنا للذين كفروا خيرا لأنفسهم كما قال : [الطويل]
٨٨ ـ فما كان قيس هلكه هلك واحد |
|
ولكنّه بنيان قوم تهدّما (٤) |
__________________
(١) انظر تيسير الداني ٧٧.
(٢) انظر معاني الفراء ١ / ٢٤٨ ، والبحر المحيط ٣ / ١٢٩.
(٣) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٤٤١.
(٤) مرّ الشاهد رقم (٤٨).