وقال الفراء : أي وليمحّص الله ذنوب الذين آمنوا ، والقول الثالث أي يمحّص يخلص وهذا أعرفها. قال الخليل رحمهالله يقال : محص الحبل يمحص محصا إذا انقلع وبره منه اللهمّ محّص عنّا ذنوبنا أي خلّصنا من عقوبتنا. (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) أي يستأصلهم.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ(١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (١٤٣)
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) «أن» وصلتها يقومان مقام المفعولين. (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) أي علم شهادة والمعنى ولم تجاهدوا فيعلم ذلك منكم وفرق سيبويه بين لم ولمّا (١) ، فزعم أنّ لم يفعل نفي فعل وأنّ لمّا يفعل نفي قد فعل. (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) جواب النفي ، وهو عند الخليل (٢) منصوب بإضمار أن ، وقال الكوفيون : هو منصوب على الصرف ، فيقال لهم ليس يخلو الصرف من أن يكون شيئا لغير علّة أو لعلة فلعلّة نصب ولا معنى لذكر الصرف. وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (٣) فهذا على النسق ، وقرأ مجاهد (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ أَنْ) في موضع نصب على البدل من الموت و (قَبْلِ) غاية.
(وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (١٤٤)
(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) ابتداء وخبر وبطل عمل ما روي عن ابن عباس أنه قرأ قد خلت من قبله رسل بغير ألف ولام. (أَفَإِنْ ماتَ) شرط. (أَوْ قُتِلَ) عطف عليه والجواب (انْقَلَبْتُمْ) وكلّه استفهام ولم تدخل ألف الاستفهام في انقلبتم لأنها قد دخلت في الشرط ، والشرط وجوابه بمنزلة شيء واحد وكذا المبتدأ وخبره تقول : أزيد منطلق؟ ولا تقول : أزيد أمنطلق.
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (١٤٥)
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) «أن» في موضع اسم كان. قال أبو إسحاق (٤) : المعنى وما كان لنفس لتموت إلا بإذن الله. قال أبو جعفر : لنفس تبيين
__________________
(١) انظر معاني الفراء ١ / ٢٣٥ ، والإنصاف مسألة ٧٥.
(٢) انظر معاني الفراء ١ / ٢٣٥ ، ومختصر ابن خالويه ٢٢.
(٣) انظر مصحف عبد الله ، والبحر المحيط ٣ / ٧٤.
(٤) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٤٢٠.