أي بلى عليهم سبيل العذاب بكذبهم واستحلالهم. قال أبو إسحاق (١) : وتمّ الكلام ثم قال (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى). قال أبو جعفر : (مَنْ) رفع بالابتداء وهو شرط و (أَوْفى) في موضع جزم (وَاتَّقى) معطوف عليه أي واتقى الله فلم يكذب ولم يستحلّ ما حرّم عليه (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي يحبّ أولئك.
(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٧)
(الَّذِينَ) اسم. و (أُولئِكَ) ابتداء وما بعده خبره والجملة خبر «إن». (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) قد ذكرنا معناه ونشرحه بزيادة. يكون المعنى : لا يسمعهم الله كلامه بلا سفير كما كلّم الله موسى صلىاللهعليهوسلم فهذا معناه لا يكلّمهم على الحقيقة ويكلّمهم مجازا بأن يأمر الملائكة أن تحاسبهم كما قال (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر : ٩٢ ، ٩٣] وكذا (أَيْنَ شُرَكائِيَ) [النحل : ٢٧] فإذا قالت لهم الملائكة يقول الله لكم كذا فقد كلّمهم مجازا وقيل معنى لا يكلّمهم يغضب عليهم وقيل : المعنى على المجاز أي ولا يكلمهم كلام راض عنهم ولكن كلام موبّخ لهم ومقرّر وموقّف. و (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) برحمته ولا يؤتيهم خيرا كما يقال : فلان لا ينظر إلى ولده.
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٨)
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً) اسم «إنّ» واللام توكيد. (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ) وقرأ أبو جعفر وشبية يلوّون ألسنتهم على التكثير وقرأ حميد بن قيس يلون ألسنتهم (٢) وتقديره يلوون ثم همز الواو لانضمامها وخفّف الهمزة وألقى حركتها على ما قبلها. ألسنة جمع لسان في لغة من ذكّر ومن أنّث قال : ألسن.
(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (٧٩)
(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ) نصب بأن. (ثُمَّ يَقُولَ) عطف عليه وروى محبوب عن أبي عمرو ثم يقول بالرفع. والنصب أجود. (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) حذف القول والتقدير : ولكن يقول وقال علي بن سليمان : المعنى ولكن ليقل ودخلت الواو على لكن وهما حرفا عطف على قول قوم لضعف لكن. قال ابن كيسان : الواو هي العاطفة ولكن
__________________
(١) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٣٨٢.
(٢) انظر مختصر في شواذ القرآن (٢١).