والظن والاعتقاد الذي ليس بعلم لا يوجب لزومه لكمال العقل. فوجب من ذلك ان يكون صانع العالم عالما ، دون ان يكون ظانا أو معتقدا.
ويجب أيضا أن يكون مدركا للمدركات ، سميعا بصيرا ، لأن الحى الذي لا آفة به متى وجدت المدركات ، وارتفعت الموانع واللبس وجب ان يكون مدركا لها. ألا ترى ان من كانت حواسه صحيحة ، ووجدت المرئيات وارتفعت الموانع واللبس وجب أن يكون رائيا لها ، وكذلك اذا وجدت الأصوات ، وسمعه صحيح وجب ان يدركها ، ويفصل بين حاله وهو مدرك لها ، وبين ألا يدركها.
وهذا الفرق لا يستند الى كونه حيا ، لأنه كان حيا قبل ذلك ، ولم يجد نفسه كذلك ، ولا الى كونه عالما لأنه يكون عالما بها قبل إدراكها وبعد انقضائها ولا (١) يجد نفسه على هذه الحال. ألا ترى ان الإنسان يعلم الصوت بعد (٢) تقضيه ، ويعلمه أيضا قبل وجوده ، ولا يجد نفسه على ما يجد عليه اذا أدركه. وكذلك النائم يدرك الآلام وان لم يعلمها. فثبت بذلك ان الإدراك غير العلم والحياة. واذا كان القديم حيا ، والآفات ، والموانع لا تجوز عليه لانه ليس يرى بحاسته ، ووجدت المدركات وجب ان يكون مدركا لها.
وليس لأحد ان يقول : الواحد (٣) منا يدرك بمعنى هو ادراك ،
__________________
(١) في أوب : لا يجد بحذف الواو.
(٢) في (أ) قبل ،
(٣) في ح : أن الواحد.