هو العلم المحدث ، والعلم لا يقع إلا من عالم فلا بد ان يتقدم كونه عالما لا يعلم محدث ، وما لأجله علم لا اختصاص له بمعلوم (١) دون معلوم ، فيعلم انه عالم بما لا يتناهى ، وبكل ما يصح ان يكون معلوما لفقد الاختصاص ، فيعلم انه لا يشبه الأشياء. لأنه لو اشبهها لكان مثلها في كونها محدثه ، لأن المثلين لا يكون احدهما قديما والآخر محدثا. ويعلم انه غير محتاج لأن الحاجة من صفات الأجسام ، لأنها تكون الى جلب المنافع أو دفع المضار (٢) وهما من صفات الأجسام ، فيعلم عند ذلك انه غني.
ويعلم انه لا يجوز عليه الرؤية والإدراكات ، لأنه لا يصح ان يدرك إلا ما يكون هو أو محله في جهة ، وذلك «يقتضي كونه جسما أو حالا في جسم وهكذا» (٣) يقتضي حدوثه وقد علم انه قديم. واذا علم انه عالم بجميع المعلومات وعلم كونه غنيا علم ان جميع افعاله حكمة وصواب ، ولها وجه حسن ، وإن لم يعلمه مفصلا ، لأن القبيح لا يفعله إلا من هو جاهل بقبحه ، أو محتاج إليه ، وكلاهما منتفيان عنه ، فيقطع عند ذلك على حسن جميع افعاله من خلق الخلق ، والتكليف ، وفعل الآلام ، وخلق الموذيات ، من الهوام والسباع وغير ذلك.
__________________
(١) في أوب لمعلوم.
(٢) يأتي تفصيل هذا الاستدلال في فصل (كيفية استحقاقه للصفات) ، وكذا بقية الاستدلالات المذكور هاهنا.
(٣) العبارة بطولها ساقطة من أوب.