قدرت الآن على
اظهارها ، ولما لم يذكر هذا الكلام أحد من الأعداء مع شدة حرصهم على الطعن فيه وفى
نبوته ، علمنا : أنه عليهالسلام ما كان شارعا قبل اظهار النبوة فى شيء من هذه العلوم.
ومعلوم : أن من انقضى من عمره أربعون سنة ، ولم يخض فى شيء من هذه المطالب العلمية
، ثم انه خاض بها دفعة واحدة ، وأتى بكلام عجز الأولون والآخرون عن معارضته ، بل
قد انقضى الآن قريب من ستمائة سنة. وما جاء أحد يمكنه اقامة المعارضة. فصريح العقل
يشهد بأن هذا لا يكون الا على سبيل الوحى والتنزيل.
النوع الثالث : انه صلىاللهعليهوآلهوسلم تحمل فى أداء الرسالة أنواعا من المشاق والمتاعب ، ولم
يتغير عن المنهج الأول البتة ، ولم يطمع فى مال أحد ولا جاهه ، بل صبر على تلك
المشاق والمتاعب ، ولم يظهر فى عزمه فتور ولا فى اصراره قصور ، ثم انه لما قهر الأعداء
، ووجد العسكر العظيم والدولة القاهرة القوية ونفذ أمره فى الأموال والأزواج ، لم
يتغير عن منهجه الأول ، والزهد فى الدنيا ، والاقبال على الآخرة.
وكل من أنصف علم
أن المزور لا يكون كذلك. فان المزور انما يزور الكذب والباطل على الخلق ، ليجد
الدنيا. فاذا وجدها ولم ينتفع بها ، كان ساعيا فى تضييع الدنيا والآخرة على نفسه.
وذلك ما لا يفعله أحد من العقلاء.
النوع الرابع فى معجزاته العقلية : انه عليه الصلاة والسلام كان مجاب الدعوة. ويدل عليه وجوه :
أحدها : ان قريشا لما بالغوا فى ايذائه ، دعا عليهم. فقال «اللهم
اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» والله تعالى منع من انزال
المطر عليهم ، فبطلت زراعاتهم وهلكت مواشيهم واستولى القحط عليهم ، فجاءوا يشفعوا
إليه ، حتى يسأل