واعلم : أن هاهنا مقدمتين يفرع المتكلمون والفلاسفة أكثر كلامهم (٣) عليهما :
المقدمة الأولى : مقدمة الكمال والنقصان. كقولهم : هذه الصفة من صفات الكمال. فيجب اثباتها لله تعالى ، وهذه الصفة من صفات النقصان ، فيجب نفيها عن الله تعالى. وأكثر مذاهب المتكلمين متفرعة على هذه المقدمة ، ثم تنشعب من هذه المقدمة ، مقدمة أخرى. وهى مقدمة الحسن والقبح. مثل أن يقال : هذا الفعل حسن ، فيجب فعله ، وهذا قبيح ، فيجب تركه. وهذه المقدمة كأنها أحد أنواع المقدمة الأولى. لأن الكمال والنقصان جنس تحته ثلاثة أنواع : الكمال ، والنقصان فى الذات ، وفى الصفات وفى الأفعال. والقبح والحسن عبارة عن الكمال والنقصان فى الأفعال.
اذا عرفت هذا فنقول : ان أكثر مباحث فرق المتكلمين متفرعة على هذه المقدمة.
أما الكمال والنقصان فى الذات ، فلنذكر فيه مثالين :
الأول : ما يتعلق بالتنزيه والتشبيه. فصاحب التنزيه يقول : لو كان جسما وجوهرا أو فى مكان لكان مشابها لهذه المخلوقات. وهى ناقصة. ومشابهة الناقص نقصان ، فيلزم تنزيه الله تعالى عنه. والمجسم يقول : لو لم يكن متحيزا ولا مشارا إليه بحسب الحس ولا فى المكان ، لكان مشابها للعدم. وهذا غاية النقصان ـ تعالى الله عنه ـ
والثانى : ما يتعلق بالرؤية. فنقول : الشيء الّذي لا يرى ، يكون معدوما ـ وتعالى الله عنه ـ والمعتزلى يقول : الشيء الّذي يرى ، يكون فى مقابلة الرائى ـ وتعالى الله عنه ـ
وأما الكمال والنقصان فى الصفات. فقالت المعتزلة : لو كان كلامه قديما أزليا أبديا ، لكن قد أمر مع أنه لا مأمور ، وهو نقصان ـ وتعالى
__________________
(٣) مباحثهم : ب