الحجة الثامنة : انه تعالى قال بعد تعديد المعاصى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) (الفرقان ٦٨ ـ ٦٩)
الحجة التاسعة : قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ ، فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ. وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ، هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)؟ (النمل ٨٩ ـ ٩٠) فلما دل النصف الأول من هذه الآية على أن الوعيد حاصل على جميع الطاعات ، دل النصف الثانى منها على أن الوعيد حاصل على جميع المعاصى.
الحجة العاشرة : قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) (النازعات ٣٧ ـ ٣٩).
الحجة الحادية عشر : انه تعالى حكى قول المرجئة. فقال : (وَقالُوا : لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) (البقرة ٨٠) ثم انه تعالى كذبهم فى هذه المقالة بقوله (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ ، أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ؟) (البقرة ٨٠) ثم ذكر المذهب الصحيح. فقال : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ، فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (البقرة ٨١)
* * *
واعلم : أن التمسك بهذه الآيات مفتقر الى بيان أن كلمة «ما» و«من» فى معرض الشرط للعموم. وعليه دليلان :
(الدليل) الأول : انه اذا قال : «من دخل دارى أكرمته» حسن منه استثناء كل واحد من العقلاء. والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه ، لوجب دخوله فيه. لأنه لا نزاع فى أن المستثنى من الجنس ، لا بدّ أن يكون بحيث يصح دخوله تحت المستثنى منه. فاما أن لا يعتبر مع الصحة الوجوب ، أو يعتبر؟ والأول باطل لوجوه :
الأول : انه يلزم أن لا يبقى فرق بين الاستثناء من الجمع المنكر ، كقولك : «جاءنى فقهاء الا زيدا» وبين الاستثناء من الجمع المعرف ، كقولك : «جاءنى الفقهاء الا زيدا» لأن الصحة حاصلة فى الموضعين. والوجوب مفقود فى الموضعين ، لكن الفرق بينهما معلوم.