ورابعها : ان أعمالهم أتم. لأنهم دائما يواظبون على الخدمة (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) لا يلحقهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا غفلة الأبدان. وطعامهم التسبيح ، وشرابهم التقديس والتمجيد ، وأنسهم بذكر الله ، وفرحهم بخدمة الله متجردون عن العلائق البدنية ، مبرءون عن الحجب الشهوانية والغضبية. فأين أحدهما من الآخر؟
وخامسها : الروحانيون لهم قدرة على تغيير الأجسام ، وتقليب الأجرام ، والقدرة التى لهم ليست من جنس القوى المزاجية ، حتى يعرض لها كلال ولغوب. ثم انك ترى الشظية (٨) الضعيفة من النبات ، فى بدو نموها تفتق الأحجار ، وتشق الصخور ، وما ذلك الا بقوة فاضت عليها من جواهر القوى المساوية فما ظنك بتلك القوى السماوية. فالروحانيون هم الذين يتصرفون فى الأجسام السفلية تقليبا وتصريفا ، لا يستثقلون حمل الثقال ولا يستضعفون نقل الجبال. فالرياح تهب بتحريكاتها ، والسحاب تعرض وتزول بتصريفاتها ، والزلازل تطرأ بقوتها ، والآثار العلوية تحدث بمعونتها.
والكتاب الكريم ناطق بذلك ، كما قال : (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) (الذاريات ٤) وقال : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (النازعات ٥) ومعلوم : أن شيئا من هذه الأحوال لا يصدر عن الأرواح (٩) البشرية ، فأين أحدهما من الآخر؟
الحجة الثانية والعشرون : الروحانيون مختصون بالهياكل الشريفة ـ وهى السيارات السبع وسائر الثوابت ـ والأفلاك لها كالأبدان ، والكواكب كالقلوب ، والملائكة كالأرواح. ونسبة الأرواح الى الأرواح ، كنسبة الأبدان الى الأبدان. ثم انا نعلم : أن اختلاف أحوال الكواكب والأفلاك يتأدى لحصول الاختلافات فى أحوال هذا العالم ، فانه يحصل من حركات الكواكب ، اتصالات مختلفة من التثليث والتسديس والتربيع والمقابلة والمقارنة. وكذلك مناطق الأفلاك. تارة
__________________
(٨) الشظية : ب ـ الرطبة : ا
(٩) الا عن الأرواح : ا