(محمد ١٩) وقال : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (الفتح ٢) وأما الملائكة فانهم لم يستغفروا لأنفسهم ولكن طلبوا المغفرة للمؤمنين من البشر. قال تعالى حكاية عنهم : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ، وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) (غافر ٧) وقال : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) (غافر ٧) ولو كانوا محتاجين الى الاستغفار ، لبدءوا فى ذلك بأنفسهم. لأن دفع الضرر عن النفس مقدم على دفع الضرر عن الغير ، قال عليهالسلام : «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» وهذا يدل على أن الملك أفضل من البشر.
الحجة التاسعة : قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا ، لا يَتَكَلَّمُونَ ، إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ ، وَقالَ صَواباً) (النبأ ٣٨) والمقصود من شرح هذه الواقعة : المبالغة فى شرح هذه عظمة الله. ولو كان فى الخلق طائفة ، قيامهم بين يدى الله تعالى وتضرعهم فى حضرة الله أقوى فى الانباء عن عظمة الله وكبريائه من الملائكة ، لكان ذكرهم فى هذا المقام أولى. ثم انه سبحانه كما بين عظمته فى الدار الآخرة بذكر الملائكة ، فكذلك بين عظمته فى الدار الدنيا بذكر الملائكة. قال تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ، يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (الزمر ٧٥) وهذا يدل على أنه لا سنبة لهم الى البشر البتة.
الحجة العاشر : قوله تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ) (الانفطار ١٠ ـ ١١) وهذا عام فى حق جميع المكلفين من بنى آدم ، فيدخل فيه الأنبياء وغيرهم.
وهذا يقتضي كون الملائكة أفضل من البشر لوجهين :
الأول : انه تعالى جعلهم حفظه لبنى آدم. والحافظ للمكلف ـ من المعصية ـ لا بد أن يكون أبعد عن الخطأ ، والمعصية من المحفوظ. وهذا يقتضي كونهم أبعد عن المعاصى ، وأقرب الى الطاعات من البشر. وذلك يقتضي مزيد الفضل.