بيان المقدمة الأولى ـ وهى أن الملائكة رسل الله الى الأنبياء ـ قوله تعالى : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) (النجم ٥) (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى
قَلْبِكَ) (الشعراء ١٩٣ ـ ١٩٤)
(يُنَزِّلُ
الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) (النحل ٢)
وأما (المقدمة
الثانية وهى) أن الرسول أفضل من أمته فلوجهين :
الأول : ان رسول
البشر أفضل من أمته ، فكذا هاهنا.
فان قيل : العرف
أن السلطان اذا أرسل واحدا الى جمع عظيم ، ليكون متوليا لأمورهم ، وحاكما فيهم ،
فذلك الشخص أفضل من ذلك الجمع. وأما اذا أرسل شخصا واحدا الى شخص واحد ، لأجل الاعلام
، فالظاهر أن الرسول أقل حالا من المرسل إليه ، كما اذا أرسل الملك عبده الى
الوزير.
قلنا : هذا مدفوع.
لأن جبريل ـ عليهالسلام ـ مبعوث الى كافة الأنبياء ـ والرسل من البشر ـ فجبريل عليهالسلام رسول ، وأمته كل الأنبياء. فعلى القانون الّذي ذكره السائل
، يلزم أن يكون جبريل أفضل منهم.
الوجه الثانى : ان
الملائكة رسل الله ، لقوله عزوجل : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ
رُسُلاً) (فاطر ١) والملك
اما أن يكون رسولا الى ملك آخر ، واما أن يكون رسولا الى البشر. وعلى التقديرين ،
فالملك رسول وأمته أيضا رسل. وأما الرسول البشرى فهو رسول ، لكن أمته ليسوا برسل.
ومعلوم : أن الرسول الّذي تكون كل أمته رسلا ، أفضل من الرسول الّذي لا يكون أحد
من أمته رسولا.
فثبت فضل الملائكة
على البشر من هذه الجهة ، ولأن ابراهيم عليهالسلام كان رسولا الى لوط ، وكان أفضل منه. وموسى كان رسولا الى
الأنبياء الذين كانوا فى عسكره ، وكان أفضل منهم. فكذا هاهنا.