وأما قوله تعالى : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) فيحتمل أن يكون المراد : فغفرنا لأجل حرمته ، ولبركة شفاعته ذلك الفعل المنكر ، الّذي أتى به أولئك المتسورون وهذا التأويل الّذي ذكرناه ينطبق عليه القرآن ، ولا نحتاج فيه الى أسناد الكذب الى الملائكة ، وحمل النعاج على النسوان. ثم إنه يليق به أن يذكر عقيب قوله : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) فمن (٢١) بلغت رحمته وشفقته على الرعية الى هذا الحد ، كان اللائق برحمة أرحم الراحمين ، تفويض خلافة الأرض إليه ، ويليق به أن يأمر محمدا عليهالسلام عند تأذيه من قومه ، بأن يقتدى به. وهو قوله فى أول الآية : (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ. وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ، ذَا الْأَيْدِ) (ص ١٧) ومن طلب الحق وأنصف ، علم أن ما ذكرناه هو الحق الصريح.
الوجه الثانى : لعل الاستغفار ، انما كان لأن القوم لما تسوروا داره ، ظن بهم أنهم يقصدون قتله ، ثم انه لما لم تظهر الأمارات الدالة على أن ذلك الظن حق ، ندم على ذلك الظن ، فكان الاستغفار بسببه.
الوجه الثالث : انه عليهالسلام لما هضم نفسه ، ولم يؤذهم ولم ينتقم منهم مع القدرة التامة ، دخله شيء من العجب ، بسبب كمال حلمه ، فكان الاستغفار منه لأن العجب من المهلكات.
فهذا قول من يقول : لا دلالة فى الآية على اتيانه بشيء من الزلات ـ وهو الحق عندى ـ
ـ وأما من سلم دلالة الآية على الصغيرة ، فلهم فيه وجوه :
أحدها : انه عليهالسلام كان عالما بحسن امرأة «أوريا» فلما سمع أنه قتل ، قل غمه لميل نفسه الى نكاح زوجته ، فعوتب عليه.
__________________
(٢١) لأن من : ب