فليس القول بأن المراد هو الهم بالزنا ، أولى من القول بأن المراد هو الهم بفعل أخر.
ولنا : فيه وجهان :
الأول : أن يحمل ذلك على أنه عليهالسلام هم بأن يدفعها عن نفسه. ولا يقال : فأى فائدة على هذا التأويل ، فى قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) [يوسف ٢٤] فان دفعها عن النفس واجب. والبرهان لا يصرف عنه. لأنا نقول : يجوز أن يكون لما هم بدفعها عن نفسه ، أراه الله برهانا على أنه لو أقدم على ما هام به ، لأهلكه أهلها وقتلوه. أو انها تدعى عليه المراودة على القبيح ، وتنسبه الى أنه دعاها الى نفسه ، وضربها لأجل امتناعها منه. فأخبر الله تعالى : أنه صرف بالبرهان : السوء عنه والفحشاء ـ وهو القتل والمكروه ، أو ظن القبيح ، واعتقاده فيه ـ
والثانى : أن يحمل هذا الكلام على التقدم والتأخر (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ، وَهَمَّ بِها. لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) وهذا يجرى مجرى قولهم : قد كنت هلكت ، لو لا أن تداركتك. واستبعد «الزجاج» هذا الجواب من وجهين :
أحدهما : انه لا يجوز تقديم جواب لو لا. والثانى : ان جوابه يكون باللام ، كقوله : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ) [الصافات ١٤٣ ـ ١٤٤]
والجواب: لا نسلم أنه لا يجوز التقديم. والدليل عليه : قوله تعالى : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ، لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) [القصص ١٠] وأيضا فلو لم يجعل المقدم على لو لا جوابها ، لكان جوابها محذوفا. واذا وقع التعارض بين أن يكون جوابها محذوفا وبين أن يكون مقدما عليها فلا شك أن التقديم أولى. لا يقال : فأى فائدة فى قوله (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) اذا لم يحصل هناك؟