بل الحكمة فى انزالها : أن السحرة كانوا يتلقون (١٤) الغيب من الشياطين ، وكانوا يلقونها فيما بين الخلق ، وكان ذلك تشبيها بالوحى النازل على الأنبياء عليهمالسلام. فالله تعالى أمرهما بالنزول الى الأرض حتى يعلما كيفية السحر للناس ، حتى يظهر بذلك الفرق بين كلام الأنبياء وبين كلام السحرة. وإليه الاشارة فى قوله تعالى حكاية عنهما : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ، فَلا تَكْفُرْ) [البقرة ١٠٢] : نحن انما نعلمكم السحر لتتوصلوا به الى الفرق بين المعجزة والسحر ، فلا ينبغى أن تستعملوا هذا السحر فى أغراضكم الباطلة. فانكم ان فعلتم ذلك كفرتم.
والحاصل : أنه تعالى انما أنزلهما ليحصل بسبب ارشادهما : الفرق بين الحق والباطل ، وبين المعجزة والسحر. والجهال قلبوا القصة ، وجعلوا ذلك سببا للطعن فى هذين المعصومين ، وذلك جهل عظيم.
الشبهة الرابعة : التمسك بقوله تعالى فى صفة الملائكة : (وَمَنْ
__________________
ـ السماء. والله تعالى كذب هذه القصة بقوله : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ) أى أنه نفى نزول أى شيء على الملكين خلافا لادعاء اليهود أنهما نزلا وعلما السحر. كما نفى كفر سليمان عليهالسلام بقوله (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ. وَلكِنَّ الشَّياطِينَ) أى علماء اليهود هم الذين كفروا. ثم نفى الله ادعاء اليهود بأن الملكين ما علما ، الا بعد أن قالا : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) نفاه بقوله : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ. حَتَّى يَقُولا : إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ. فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) ومثل ذلك ما اذا قلت : ١ ـ ما جاءنى زيد الفقيه ٢ ـ حتى تقول : انه علمنى الفقه ٣ ـ فتطلب منى أن أفتيك فانك اذا نفيت مجىء زيد ، نفيت كل ما ترتب على مجيئه.
(١٤) يتلقفون : ا