وهذان اللفظان ـ أعنى (الْمُصْطَفَيْنَ) و (الْأَخْيارِ) ـ يتناولان جملة الأفعال والتروك ، بدليل : جواز الاستثناء. يقال : فلان من المصطفين الأخيار الا فى كذا ، والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل. فدلت هذه الآية على أنهم كانوا من المصطفين الأخيار فى كل الأمور. وهذا ينافى صدور الذنب عنهم.
ونظيره قوله تعالى : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً ، وَمِنَ النَّاسِ) [الحج ٧٥] وكذلك قوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ، وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ ، عَلَى الْعالَمِينَ) [آل عمران ٣٣] : وقال فى حق ابراهيم : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا ، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [البقرة ١٣٠] وقال فى حق موسى : (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) [الأعراف ١٤٤] وقال تعالى : (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ ، إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ، وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) [ص ٤٧]
ولا يقال : الاصطفاء لا يمنع من فعل الذنب ، بدليل قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا. فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ. بِإِذْنِ اللهِ. ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر ٣٢]. قسم المصطفين الى الظالم ، والمقتصد ، والسابق. نقول : الضمير فى قوله (فَمِنْهُمْ) عائد الى قوله (مِنْ عِبادِنا) لا الى قوله (اصْطَفَيْنا) لأن عود الضمير الى أقرب المذكورين واجب.
الحجة التاسعة : قوله تعالى حكاية عن ابليس : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص ٨٢ ـ ٨٣] استثنى المخلصين عن اضلاله واغوائه ، ثم انه تعالى شهد على ابراهيم وإسحاق ويعقوب ، أنهم من المخلصين ، حيث قال : («إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ