الإعجاز في سهولة حفظه
والوجه السادس عشر : من إعجازه تيسيره على جميع الألسنة حتى حفظه الأعجمي الأبكم (٢٣) ودار به لسان القبطي الألكن (٢٤) ولا يحفظ غيره من الكتب كحفظه ولا تجري به ألسنة البكم كجريها به ، وما ذاك إلّا بخصائص إلهية فضّله بها على سائر كتبه (٢٥).
فإن قيل : فقد يحفظ الشعر كحفظه والعلة فيه اعتدال وزنه الذي يحفظ بعضه بعضا فلم يكن ذلك معجزا ، فعنه جوابان :
أحدهما : أن ما اندرس من الشعر أكثر مما حفظ وهذا محفوظ لم يندرس فاختلفا.
والثاني : ما لم تستعذ به الأفواه متروك ، والقرآن مستعذب غير متروك فافترقا.
الإعجاز في عدم القدرة على الإتيان بمثله
والوجه السابع عشر : من إعجازه أن الكلام يترتب ثلاث مراتب منثور يدخل في قدرة الخلق وشعر هو أعلى منه يقدر عليه فريق ويعجز عنه فريق وقرآن هو أعلى من جميعها وأفضل من سائرها تجاوز رتبة النوعين فخرج عن قدرة الفريقين.
فإن قيل : لو كان القرآن برهانا معجزا لخرج كثيره وقليله عن القدرة ، وقليله مقدور عليه وهو أن يجمع بين ثلاث كلمات منه أو أربع ، فكذلك كثيره لأن الشيء إذا دخلت أوائله في جنس الممكن خرجت أواخره من جنس الممتنع ، فعنه جوابان :
__________________
(٢٣) الأبكم : الذي يحفظه دون أن يفقه لغته.
(٢٤) الذي يقرأه بلكنته أي بلهجته البعيدة عن صفاء العربية.
(٢٥) التوراة والأناجيل ترجمت ألفاظها ومعانيها لعدم وجود إعجاز لغوي فيها أما القرآن فلا تترجم إلا معانيه وحسب الشروح المعتمدة من الشارح.