خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته حتّى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فيها ، ومات كثير ممّن يعرف ـ أي فضائله ومناقبه وركنيته بعد الرسول في بنيان الدين وانتظام الاِسلام ـ ونشأ كثير ممّن لا يعرف ...» (١).
وقد جاءت عدّة نصوص تاريخية في ذلك :
منها : ما قاله أبو بكر لعمر عندما فشل الجيش الذي بعثه أبو بكر لقتال كندة ، ولم يفلح المدد أيضاً ، فاضطرب لذلك أبو بكر وقال : إنّي عزمت على أن أُوجّه إلى هؤلاء عليّ بن أبي طالب ؛ فإنّه عدل رضا عند أكثر الناس لفضله وشجاعته وقرابته وعلمه وفهمه ، ورفقه بما يحاول من الأُمـور ...» (٢) ..
فهذا النصّ سواء في فقرة كلام أبي بكر أو كلام عمر يكشف النقاب عن دور عليّ عليه السلام ومكانته في نفسية المسلمين وسائر القبائل المتمرّدة على استخلاف أبي بكر كما فيه إقرار واعتراف من أبي بكر بالاِحكام في تدبير عليّ عليه السلام للأُمور ، لا سيّما هذا الأمر الذي استعصى حلّه على أبي بكر ، وجزع من شدّة الورطة فلم يجد بُدّاً من الكتابة إلى الأشعث بن قيس بالرضا (٣) ـ.
كما أنّ في كلام عمر ؛ إذ قال : «أخاف أن يأبى القتال فلا يقاتلهم ، فإن أبى ذلك فلن تجد أحداً يسير إليهم إلاّ على المكروه منه ، ولكن ذر عليّاً يكون عندك بالمدينة فإنّك لا تستغني عنه وعن مشورته» إقرار بما
____________
(١) شرح نهج البلاغة ٢٠ / ٢٩٨ رقم ٤١٤.
(٢) مرّ الحديث وتخريجه في ص ٧٤ وص ٧٥.
(٣) كتاب الفتوح ١ / ٥٣.