فأقبل الأشعث على الرسول فقال : إنّ صاحبك أبا بكر هذا يلزمنا الكفر بمخالفتنا له ولا يلزم صاحبه ـ أي : زياد بن لبيد ـ الكفر بقتله قومي وبني عمّي!
فقال له الرسول : نعم يا أشعث! يلزمك الكفر ؛ لأنّ الله تبارك وتعالى قد أوجب عليك الكفر بمخالفتك لجماعة المسلمين» (١).
وهذا النصّ يوضّح أنّ مبنى أصحاب السقيفة أنّ الدين يتمثّل في جماعـتهم ، وأنّهم جماعة المسلمين وما عداهم من المهاجرين والأنصار وبني هاشم وسعد بن عبادة وسائر القبائل ليسوا بجماعة المسلمين ، وأنّ خيانة الله ورسوله في عهد الوصاية والاِمامة وإنكار ما جاء به الرسول في ذلك ليس يوجب الكفر ، فهم قد جعلوا جماعة السقيفة عدل القرآن وبديل النبوّة ، وهذا ممّا يكشف أوراق حروب الردّة ويفضح دَجليّة شعارها.
وقال ابن أعثم : إنّ أبا بكر لمّا وصله خبر كندة وعصيانها له وضعف الجيش الذي أرسله عن مقاومة كندة استشار جماعته «ثمّ انصرف أبو بكر إلى منزله وأرسل إلى عمر بن الخطّاب فدعاه ، وقال : إنّي عزمت على أن أُوجّه إلى هؤلاء القوم عليّ بن أبي طالب ؛ فإنّه عدل رضا عند أكثر الناس ؛ لفضله وشجاعته وقرابته وعلمه وفهمه ورفقه بما يحاول من الأُمور.
قال : فقال له عمر بن الخطّاب : صدقت يا خليفة رسول الله! إنّ عليّاً كما ذكرت وفوق ما وصفت ، ولكنّي أخاف عليك خصلة منه واحدة.
قال له أبو بكر : وما هذه الخصلة التي تخاف علَيّ منها منه؟
فقال عمر : أخاف أن يأبى القتال فلا يقاتلهم ، فإن أبى ذلك فلن تجد
____________
(١) كتاب الفتوح ١ / ٥٤.