ونظيره عندما استعصى الأمر على أبي بكر في مواجهة قبائل كندة والأشعث بن قيس ، فعزم على الاستعانة بعليّ عليه السلام في المواجهة ، فمنعه عمر من ذلك ؛ تخوّفاً من موقف عليّ عليه السلام بعدم حكمه بردّتهم ، وأمره بتأمير عكرمة بن أبي جهل (١).
ولمّا استتمّت فتوح فارس وكان لعمّار بن ياسر الدور الكبير في تجهيز الجيوش فيها ، كتب أهل الكوفة إلى عمر يشكونه من عمّار ويسألونه أن يعزله عنهم ، فقال عمر : أيّها الناس! ما تقولون في رجل ضعيف غير أنّه مسلم تقي ، وآخر فاجر قويّ ، أيّهما أصلح للاِمارة؟!
فأشار عليه المغيرة بن شعبة بأنّ : القوي الفاجر فجوره على نفسه وقوّته لك وللمسلمين.
فقال عمر : صدقت يا مغيرة! اذهب فقد ولّيتك الكوفة (٢).
وهذا النصّ يظهر لنا منطق سلطة السقيفة في تنصيب أُمراء الجيوش والولاة بأنّ الفجور غير ضارّ ، وهو مع قوّة بطش الأمير والوالي أصلح من التقي والمتورّع عن المحارم ، وإلاّ فكيف يكون عمّار بن ياسر ضعيفاً في ولايته على الكوفة مع أنّه هو الذي عبّأ أهل الكوفة مرّات وكرّات لحرب دولة الأكاسرة ، ويكون المغيرة بن شعبة أصلح لولاية الكوفة مع فجوره واشتهاره بالزنا في البصـرة؟!
وقد اعتُرض على عمر في سياسته هذه ؛ وتعرّض للمساءلة عن سبب استعماله سعيد بن العاص ومعاوية وفلاناً وفلاناً من المؤلّفة قلوبهم
____________
(١) كتاب الفتوح ـ لابن أعثم ـ ١ / ٥٧.
(٢) كتاب الفتوح ٢ / ٣٢١.