ولكن حيث أنّ هذا الرأي قد يتنافى مع ظاهر الحسّ ، وما أكثر مايخطأ الحسّ ؛ فإنّ المحسوس الأرض واقفة ، والشمس والقمر يتحرّكان عليها ، كما قال الشاعر :
تجري على كبد السماء كما |
|
يجري حمام المـوت بالنفس |
لذلك كفّرهم أهل زمانهم ، وبقي هذا الرأي مهجوراً ومستوراً حتّى جاء (بطليموس) (١) قبل المسيح بمائة وخمسين سنة ، فأيّد ما يراه العوام
____________
إليه أن يتحقّق من خلوص ذهب تاجه دفعاً لظنّ علق به من احتمال أن يكون الصانع قد وضع فيه فضّة ، ولكنّه شرط على أرخميدس أن لا يُحلل من التاج شيئاً ، فأخذ رياضياً يفكّر في المسألة ، فأعجزته ، فبينما هو في الحمّام يوماً مغموساً في الماء شاهد أنّه لو رفع ساقه ارتفعت بسهولة كأنّها فقدت من وزنها ، فأدرك في الحال : «إنّ كلّ جسم يُغمس في الماء يفقد من وزنه بقدر ثقل الماء الذي يزيحه حجمه» فرأى أنّه بهذه الوسيلة يستطيع أن يحسب مقدار ما في تاج الملك من الذهب والفضّة بوزنه في الماء ، ثمّ وزن الماء الذي يزيحه ، ومقارنة ذلك بثقل الذهب الخالص والفضّة.
ولما هاجم الرومانيون (سيراقوسة) وطنه كان أرخميدس أسرع قومه إلى الدفاع عن حوزته ، فتولّى الزعامة ، واستطاع بعلمه أن يوقف هجمات الأسطول الروماني على الجزيرة مدّة ثلاث سنين ، وقيل : إنه اكتشف أيضاً بواسطة المرايا وسائل لإحراق السفن عن بعد بالأشعة الشمسية ، فحار (مارسلوس) القائد الروماني في أمره ، ولم يستطيع أن يهاجم الجزيرة إلاّ في غرّة من أرخميدس ، فلمّا دهمها برجاله كان يشتغل بحلّ مسألة رياضية عويصة ، فأنفذ إليه (مارسوس) جندياً ليحضره إليه ، فلمّا دخل عليه الجندي وجده منكبّاً على العمل ، فقال له : قم معي. فرجاه أن يرجئه حتّى يحلّ المسألة ، فضربه بسيفه فقتله ، وذلك عام ٣١٢ ق م.
فأسف (مارسوس) على موته غاية الأسف ، وعامل أهله وأكرمهم ، وبنى له قبراً ، ووضع عليه ما أوصى بوضعه أرخميدس نفسه : كرة وأسطوانة.
راجع : دائرة معارف القرن العشرين ١ / ١٨٠ ـ ١٨١ ، الموسوعة العربية الميسّرة : ١١٨ ، الفهرست : ٤٢٨.
(١) بطليموس : كلوديوس بطليموس ، عالم فلك ، ورياضة ، وجغرافية ، وفيزيقا ،