ما أراكم ترضون هذا الجواب ، ولا أتوهّم أنّكم ترون مضمونه جائزاً على ربّ الأرباب ، ولا على سيّد الحكماء وخاتم الرسل والأنبياء!!
وأنتم أجلّ من أن تجوّزوا عليه أن يصرف هممه كلّها وعزائمه بأسرها ، إلى تبيين شيء بيّن لا يحتاج إلى بيان ، وتوضيح أمر واضح بحكم الوجدان والعيان ..
ولا شكّ أنّكم تنزّهون أفعاله وأقواله عن أن تزدري بها العقلاء ، أو ينتقدها الفلاسفة والحكماء ..
بل لا ريب في أنّكم تعرفون مكانة قوله وفعله من الحكمة والعصمة ؛ وقد قال الله تعالى : (إنّه لقول رسول كريم * ذي قوّةٍ عند ذي العرش مكين * مطاعٍ ثَمّ أمين * وما صاحبكم بمجنون) (١) ؛ فيهتمّ بتوضيح الواضحات ، وتبيين ما هو بحكم البديهيات ، ويقدّم لتوضيح هذا الواضح مقدّمات أجنبية ، لا ربط له بها ولا دخل لها فيه ، تعالى الله عن ذلك ورسوله علوّاً كبيراً.
وأنت ـ نصر الله بك الحقّ ـ تعلم أنّ الذي يناسب مقامه في ذلك الهجير ، ويليق بأفعاله وأقواله يوم الغدير ، إنّما هو تبليغ عهده ، وتعيين القائم مقامه من بعده ، والقرائن اللفظية ، والأدلّة العقلية ، توجب القطع الثابت الجازم بأنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ما أراد يومئذ إلاّ تعيين عليّ ولياً لعهده ، وقائماً مقامه من بعده ، فالحديث مع ما قد حفّ به من القرائن نصّ جليّ ، في خلافة عليّ ، لا يقبل التأويل ، وليس إلى صرفه عن هذا المعنى من سبيل ، وهذا واضح (لمَن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو
____________
(١) سورة التكوير ٨١ : ١٩ ـ ٢٢.