كفره ، وانتزع أهل الأصول من هذه الآية تكليف ما لا يطاق ، وأنه موجود في قصة أبي لهب ، وذلك أنه مخاطب مكلف أن يؤمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، ومكلف أن يؤمن بهذه السورة وصحتها ، فكأنه قد كلف أن يؤمن ، وأن يؤمن أنه لا يؤمن ، قال الأصوليون ومتى ورد تكليف ما لا يطاق فهي أمارة من الله تعالى أنه قد حتم عذاب ذلك المكلف كقصة (أَبِي لَهَبٍ) ، وقرأ الجمهور «سيصلى» بفتح الياء ، وقرأ ابن كثير والحسن وابن مسعود بضمها ، وقوله تعالى : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) هي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان ، وعطف قوله (وَامْرَأَتُهُ) على المضمر المرفوع دون أن يؤكد الضمير بسبب الحائل الذي ناب مناب التأكيد ، وكانت أم جميل هذه مؤذية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين بلسانها وغاية قدرتها ، وقال ابن عباس : كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق النبيصلىاللهعليهوسلم وطريق أصحابه ليعقرهم ، فلذلك سميت (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) ، وعلى هذا التأويل ، ف (حَمَّالَةَ) معرفة يراد به الماضي ، وقيل إن قوله (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) استعارة لذنوبها التي تحطبها على نفسها لآخرتها ، ف (حَمَّالَةَ) على هذا نكرة ، يراد بها الاستقبال ، وقيل هي استعارة لسعيها على الدين والمؤمنين ، كما تقول : فلان يحطب على فلان وفي حبل فلان ، فكانت هي تحطب على المؤمنين وفي حبل المشركين ، وقال الشاعر : [الرجز]
إن بني الأدرم حمالوا الحطب |
|
هم الوشاة في الرضى وفي الغضب |
وقرأ ابن مسعود : «ومرياته» ، وقرأ الجمهور : «حمالة» بالرفع ، وقرأ عاصم : «حمالة» بالنصب على الذم ، وهي قراءة الحسن والأعرج وابن محيصن ، وقرأ ابن مسعود : «حمالة للحطب» بالرفع ولام الجر ، وقرأ أبو قلابة : «حاملة» الميم بعد الألف ، وقوله : (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) ، قال ابن عباس والضحاك والسدي وابن زيد : الإشارة إلى الحبل حقيقة الذي ربطت به الشوك وحطبه ، قال السدي : «المسد» الليف ، وقيل : ليف المقل ذكره أبو الفتح وغيره ، وقال ابن زيد : هو شجر باليمن يسمى المسد ، تصنع منه الحبال ، وقال النابغة : [البسيط]
مقذوفة بدخيس النحض بازلها |
|
له صريف صريف القعو بالمسد |
القعو : البكرة ، والمسد : الحبل ، وقال عروة بن الزبير وسفيان ومجاهد وغيرهم : هذا الكلام استعارة والمراد سلسلة من حديد في جهنم ذرعها سبعون ذراعا ، ونحو هذا من العبارات ، وقال قتادة : (حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) ، قلادة من ودع ، قال ابن المسيب : كان لها قلادة فاخرة فقالت : لأنفقنها على عداوة محمد.
قال القاضي أبو محمد : فإنما عبر عن قلادتها ب (حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) على جهة التفاؤل لها ، وذكر تبرجها في هذا السعي الخبيث ، وروي في هذا الحديث أن هذه السورة لما نزلت وقرئت ، بلغت أم جميل فجاءت أبا بكر وهو مع النبي صلىاللهعليهوسلم في المسجد ، فقالت : يا أبا بكر : بلغني أن صاحبك هجاني ولأفعلن وأفعلن وإني شاعرة وقد قلت فيه : [الرجز]
مذمما قلينا ودينه أبينا
فسكت أبو بكر ومضت هي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفى الله شرها».