بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة النّصر
وهي مدنية بإجماع.
قوله عزوجل :
(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (٣)
قرأ ابن عباس : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) ، وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمعا من الصحابة الأشياخ وبالحضرة لابن عباس عن معنى هذه السورة وسببها ، فقالوا كلهم بمقتضى ظاهر ألفاظها ، إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر عند الفتوح التي فتحت عليه مكة وغيرها بأن يسبح ربه ويحمده ويستغفره ، فقال لابن عباس : ما تقول أنت يا عبد الله؟ فقال : هو أجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعلمه الله بقربه إذا رأى هذه الأشياء ، فقال عمر ما أعلم منها إلا ما ذكرت ، وهذا المنزع الذي ذكره ابن عباس ذكره ابن مسعود وأصحابه ومجاهد وقتادة والضحاك ، وروت معناه عائشة عن النبي صلىاللهعليهوسلم وأنه عليهالسلام لما فتحت مكة وأسلمت العرب جعل يكثر أن يقول «سبحان الله وبحمده ، اللهم إني أستغفرك» يتأول القرآن في هذه السورة ، وقال لها مرة : «ما أراه إلا حضور أجلي» ، وتأوله عمر والعباس بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فصدقهما. و «النصر» الذي رآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هو غلبته لقريش ولهوازن وغير ذلك ، (وَالْفَتْحُ) : هو فتح مكة والطائف ومدن الحجاز وكثير من اليمن ودخول الناس في الإسلام (أَفْواجاً) ، كان بين فتح مكة إلى موته صلىاللهعليهوسلم ، قال أبو عمر بن عبد البر النمري رحمهالله في كتاب الاستيعاب في الصحابة في باب أبي خراش الهذلي : لم يمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفي العرب رجل كافر ، بل دخل الكل في الإسلام بعد حنين والطائف ، منهم من قدم ومنهم من قدم وفده ، ثم كان بعده من الردة ما كان ورجعوا كلهم إلى الدين.
قال القاضي أبو محمد : والمراد والله أعلم عرب عبدة الأوثان ، وأما نصارى بني تغلب فما أراهم أسلموا قط في حياة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لكن أعطوا الجزية ، والأفواج : الجماعة إثر الجماعة ، كما قال تعالى : (أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ) [الملك : ٨] وقال مقاتل : المراد بالناس أهل اليمن وفد منهم سبعمائة رجل ، وقاله عكرمة ، وقال الجمهور : المراد جميع وفود العرب لأنهم قالوا : إذا فتح الحرم لمحمد عليه