وقولهم : (انْظُرُونا) معناه : انتظرونا ، ومنه قول الحطيئة : [البسيط]
وقد نظرتكم أبناء عائشة |
|
للخمس طال بها حبسي وتبساسي |
وقرأ حمزة وحده وابن وثاب وطلحة والأعمش : «أنظرونا» بقطع الألف وكسر الظاء على وزن أكرم. ومنه قول عمرو بن كلثوم : [الوافر]
أبا هند فلا تعجل علينا |
|
وأنظرنا نخبّرك اليقينا |
ومعناه : أخرونا ، ومنه النظرة إلى الميسرة ، وقول النبي عليهالسلام : «من أنظر معسرا» الحديث ، ومعنى قولهم : أخرونا ، أخروا مشيكم لنا حتى نلحق ف (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) ، واقتبس الرجل واستقبس أخذ من نور غيره قبسا. وقوله تعالى : (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) يحتمل أن يكون من قول المؤمنين ، ويحتمل أن يكون من قول الملائكة.
وقوله : (وَراءَكُمْ) حكى المهدوي وغيره من المفسرين أنه لا موضع له من الإعراب ، وأنه كما لو قال ارجعوا ارجعوا ، وأنه على نحو قول أبي الأسود الدؤلي للسائل : وراءك أوسع لك.
قال القاضي أبو محمد : ولست أعرف مانعا يمنع من أن يكون العامل فيه (ارْجِعُوا) ، والقول لهم : (فَالْتَمِسُوا نُوراً) هو على معنى التوبيخ لهم ، أي أنكم لا تجدونه.
ثم أعلم عزوجل أنه يضرب بينهم في هذه الحال (بِسُورٍ) حاجز ، فيبقى المنافقون في ظلمة ويأخذهم العذاب من الله ، وحكي عن ابن زيد أن هذا السور هو الأعراف المذكور في سورة «الأعراف» وقد حكاه المهدوي ، وقيل هو حاجز آخر غير ذلك ، وقال عبد الله بن عمر وكعب الأحبار وعبادة بن الصامت وابن عباس : هو الجدار الشرقي في مسجد بيت المقدس. وقال زياد بن أبي سوادة : قام عبادة على السور الشرقي من بيت المقدس فبكى وقال : من هاهنا أخبرنا النبي صلىاللهعليهوسلم أنه رأى جهنم.
قال القاضي أبو محمد : وفيه باب يسمى باب الرحمة ، سماه في تفسير هذه الآية عبادة وكعب. وفي الشرق من الجدار المذكور واد يقال له : وادي جهنم ، سماه في تفسير هذه الآية عبد الله بن عمر وابن عباس ، وهذا القول في السور بعيد ، والله أعلم وقال قتادة وابن زيد ، (الرَّحْمَةُ) : الجنة. و (الْعَذابُ) : جهنم.
والسور في اللغة الحجي الذي للمدن وهو مذكور. والسور أيضا جمع سورة ، وهي القطعة من البناء ينضاف بعضها إلى بعض حتى يتم الجدار ، فهذا اسم جمع يسوغ تذكيره وتأنيثه ، وهذا الجمع هو الذي أراد جرير في قوله : [الكامل]
لما أتى خبر الزبير تضعضعت |
|
سور المدينة والجبال الخشع |
وذلك أن المدينة لم يكن لها قط حجي ، وأيضا فإن وصفه أن جميع ما في المدينة من بناء تواضع