مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) (١٤)
العامل في : (يَوْمَ) قوله (وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد : ١١]. والرؤية في هذه الآية رؤية عين. والنور : قال الضحاك بن مزاحم : هي استعارة ، عبارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه. وقال الجمهور : بل هو نور حقيقة ، وروي في هذا عن ابن عباس وغيره آثار مضمنها : أن كل مؤمن ومظهر للإيمان يعطى يوم القيامة نورا فيطفأ نور كل منافق ويبقى نور المؤمنين. حتى أن منهم من نوره يضيء كما بين مكة وصنعاء ، رفعه قتادة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومنهم من نوره كالنخلة السحوق. ومنهم من نوره يضيء ما بين قرب من قدميه ، قال ابن مسعود : ومنهم من يهم بالانطفاء مرة ويتبين مرة على قدر المنازل في الطاعة والمعصية. وخص تعالى بين الأيدي بالذكر لأنه موضع حاجة الإنسان إلى النور.
واختلف الناس في قوله : (وَبِأَيْمانِهِمْ) فقال بعض المتأولين المعنى : وعن أيمانهم ، فكأنه خص ذكر جهة اليمين تشريفا ، وناب ذلك مناب أن يقول : وفي جميع جهاتهم ، وقال آخرون منهم ، المعنى : (وَبِأَيْمانِهِمْ) كتبهم بالرحمة. وقال جمهور المفسرين ، المعنى : يسعى نورهم بين أيديهم ، يريد الضوء المنبسط من أصل النور. (وَبِأَيْمانِهِمْ) أصله ، والشيء الذي هو متقد فيه.
قال القاضي أبو محمد : فضمن هذا القول أنهم يحملون الأنوار ، وكونهم غير حاملين أكرم ، ألا ترى أن فضيلة عباد بن بشر وأسيد بن حضير إنما كانت بنور لا يحملانه. هذا في الدنيا فكيف في الآخرة ، ومن هذه الآية انتزع حمل المعتق للشمعة.
وقرأ الناس : «بأيمانهم» جمع يمين. وقرأ سهل بن سعد وأبو حيوة : «بإيمانهم» بكسر الألف ، وهو معطوف على قوله : (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) كأنه قال : كائنا بين أيديهم ، وكائنا بسبب إيمانهم.
وقوله تعالى : (بُشْراكُمُ) معناه ، يقال لهم : بشراكم جنات ، أي دخول جنات ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
وقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها) إلى آخر الآية ، مخاطبة لمحمد صلىاللهعليهوسلم وقرأ ابن مسعود : «ذلك الفوز العظيم» بغير هو.
وقوله تعالى : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ) قال بعض النحاة : (يَوْمَ) بدل من الأول وقال آخرون منهم العامل فيه فعل مضمر تقديره : اذكر.
قال القاضي أبو محمد : ويظهر لي أن العامل فيه قوله تعالى : (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ويجيء معنى (الْفَوْزُ) أفخم ، كأنه يقول : إن المؤمنين يفوزون بالرحمة يوم يعتري المنافقين كذا وكذا ، لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه ومضاده أبدع وأفخم ، وقول المنافقين هذه المقالة الممكنة هو عند انطفاء أنوارهم كما ذكرنا قبل.