الأقوال ، وأضرب عنها تهمما بأمر الساعة التي عذابها أشد عليهم من كل هزيمة وقتل فقال : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ). و : (أَدْهى) أفعل من الداهية : وهي الرزية العظمى تنزل بالمرء. (وَأَمَرُّ) من المرارة ، واللفظة ليست هنا مستعارة ، لأنها ليست فيما يذاق.
ثم أخبر تعالى عن المجرمين أنهم في الدنيا في حيرة وإتلاف وفقد هدى وفي الآخرة في احتراق وتسعر من حيث هم صائرون إليه ، قال ابن عباس المعنى : في خسران وجنون ، والسعر الجنون. وأكثر المفسرين على أن (الْمُجْرِمِينَ) هنا يراد بهم الكفار. وقال قوم المراد ب (الْمُجْرِمِينَ) : القدرية الذين يقولون إن أفعال العباد ليست بقدر من الله ، وهم المتوعدون بالسحب في جهنم ، والسحب : الجر. وفي قراءة ابن مسعود : «إلى النار».
وقوله تعالى : (ذُوقُوا مَسَ) استعارات ، والمعنى : يقال لهم على جهة التوبيخ.
واختلف الناس في قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) ، فقرأ جمهور الناس : «إنا كلّ» بالنصب ، والمعنى : خلقنا كل شيء خلقناه بقدر ، وليست (خَلَقْناهُ) في موضع الصفة لشيء ، بل هو فعل دال على الفعل المضمر ، وهذا المعنى يقتضي أن كل شيء مخلوق ، إلا ما قام دليل العقل على أنه ليس بمخلوق كالقرآن والصفات. وقرأ أبو السمال ورجحه أبو الفتح : «إنا كلّ» بالرفع على الابتداء ، والخبر : (خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ).
قال أبو حاتم : هذا هو الوجه في العربية ، وقراءتنا بالنصب مع جماعة ، وقرأها قوم من أهل السنة بالرفع ، والمعنى عندهم على نحو ما عند الأولى أن كل شيء فهو مخلوق بقدر سابق ، و : (خَلَقْناهُ) على هذا ليست صفة لشيء ، وهذا مذهب أهل السنة ، ولهم احتجاج قوي بالآية على هذين القولين ، وقالت القدرية وهم الذين يقولون : لا قدر ، والمرء فاعل وحده أفعاله. القراءة «إنا كلّ شيء خلقناه» برفع «كلّ» : و (خَلَقْناهُ) في موضع الصفة ب «كلّ» ، أي أن أمرنا وشأننا كلّ شيء خلقناه فهو بقدر وعلى حد ما في هيئته وزمنه وغير ذلك ، فيزيلون بهذا التأويل موضع الحجة عليهم بالآية.
وقال ابن عباس : إني أجد في كتاب الله قوما (يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) لأنهم كانوا يكذبون بالقدر ، ويقولون : المرء يخلق أفعاله ، وإني لا أراهم ، فلا أدري أشيء مضى قبلنا أم شيء بقي؟.
وقال أبو هريرة : خاصمت قريش رسول الله في القدر فنزلت هذه الآية ، قال أبو عبد الرحمن السلمي : فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل؟ أفي شيء نستأنفه؟ أم في شيء قد فرغ منه؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اعملوا ، فكل ميسر لما خلق له ، سنيسره لليسرى وسنيسره للعسرى» ، وقال أنس بن مالك : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «القدرية يقولون الخير والشر بأيدينا ، ليس لهم في شفاعتي نصيب ولا أنا منهم ولا هم مني».
وقوله : (إِلَّا واحِدَةٌ) ، أي : إلا قولة واحدة وهي : كن. وقوله : (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) تفهيم للناس بأعجل ما يحسون وفي أشياء أمر الله تعالى أوحى من لمح البصر. والأشياع : الفرق المتشابهة في مذهب ودين ، ونحوه الأول شيعة للآخر ، الآخر شيعة للأول.