وقال أبو طفيل عامر بن واثلة كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنبر فقال : لا تسألوني عن آية من كتاب الله أو سنة ماضية إلا قلت ، فقام إليه ابن الكواء فسأله عن هذه ، فقال : (الذَّارِياتِ) الرياح.
و «الحاملات» السحاب ، و «الجاريات» السفن ، و «المقسمات» الملائكة. ثم قال له سل سؤال تعلم ولا تسأل سؤال تعنت وهذا القسم واقع على قوله : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) ، و (تُوعَدُونَ) يحتمل أن يكون من الإيعاد ، ويحتمل أن يكون من الوعد ، وأيها كان فالوصف له بالصدق صحيح و : (صادق) هنا موضوع بدل صدق ، ووضع الاسم موضع المصدر. و : (الدِّينَ) الجزاء. وقال مجاهد الحساب ، والأظهر في الآية أنها للكفار وأنها وعيد محض بيوم القيامة.
ثم أقسم تعالى بمخلوق آخر فقال : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) فظاهر لفظة (السَّماءِ) أنها لجميع السماوات ، وقال عبد الله بن عمرو بن العاصي : هي السماء السابعة. و : (الْحُبُكِ) بضم الحاء والباء : الطرائق التي هي على نظام في الأجرام ، فحبك الرمان والماء : الطرائق التي تصنع فيها الريح الهابة عليها ، ومنه قول زهير :
مكلل بعميم النبت تنسجه |
|
ريح خريف لضاحي مائه حبك |
وحبك الدرع : الطرائق المتصلة في موضع اتصال الحلق بعضها ببعض ، وفي بعض أجنحة الطير حبك على نحو هذا ، ويقال لتكسر الشعر حبك ، وفي الحديث : «أن من ورائكم الكذاب المضل ، وأن من ورائه حبكا حبكا» يعني جعودة شعره فهو يكسره ، ويظهر في المنسوجات من الأكسية وغيرها طرائق في موضع تداخل الخيوط هي حبك ، ويقال نسج الثوب فأجاد حبكه ، فهذه هي الحبك في اللغة. وقال منذر بن سعيد : إن في السماء في تألق جرمها هي هكذا لها حبك ، وذلك لجودة خلقتها وإتقان صنعتها ، ولذلك عبر ابن عباس في تفسير قوله (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) بأن قال : حبكها حسن خلقتها ، وقال ابن جبير : (الْحُبُكِ) : الزينة. وقال الحسن : حبكها كواكبها ، وقال ابن زيد : (الْحُبُكِ) : الشدة ، وحبكت شدت ، وقرأ (سَبْعاً شِداداً) [النبأ : ١٢] وقال ابن جني : (الْحُبُكِ) طرائق الغيم ونحو هذا ، وواحد (الْحُبُكِ) : حباك ، ويقال للظفيرة التي يشد بها حظار القصب ونحوه ، وهي مستطيلة تمنع في ترجيب الغرسات المصطفة حباك وقد يكون واحد (الْحُبُكِ) حبيكة ، وقال الراجز : [الوافر]
كأنما جللها الحواك ، |
|
طنفسة في وشيها حباك |
وقرأ جمهور الناس : «الحبك» بضم الحاء والباء. وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو مالك الغفاري بضم الحاء وسكون الباء تخفيفا ، وهي لغة بني تميم كرسل في رسل ، وهي قراءة أبي حيوة وأبي السمال. وقرأ الحسن أيضا وأبو مالك الغفاري : «الحبك» بكسر الحاء والباء على أنها لغة كإبل وإطل.
وقرأ الحسن أيضا فيما روي عنه : «الحبك» بكسر الحاء وسكون الباء كما قالوا على جهة التخفيف : إبل وإطل بسكون الباء والطاء. وقرأ ابن عباس : «الحبك» بفتح الحاء والباء. وقرأ الحسن أيضا فيما روي عنه «الحبك» بكسر الحاء وضم الباء وهي لغة شاذة غير متوجهة ، وكأنه أراد كسرهما ثم توهم «الحبك» قراءة الضم بعد أن كسر الحاء فضم الباء ، وهذا على تداخل اللغات وليس في كلام العرب هذا البناء. وقرأ