وخصم يعدو الذحول كأنهم |
|
قروم غيارى كل أزهر مصعب |
وتحتمل هذه الآية أن يكون المتسور للمحراب اثنين فقط ، لأن نفس الخصومة إنما كانت بين اثنين ، فتجيء الضمائر في : (تَسَوَّرُوا) و : (دَخَلُوا) و : (قالُوا) على جهة التجوز ، والعبارة عن الاثنين بلفظ الجمع ، ويحتمل أنه جاء مع كل فرقة ، كالعاضدة والمؤنسة ، فيقع على جميعهم خصم ، وتجيء الضمائر حقيقة. و : (تَسَوَّرُوا) معناه : علوا سوره وهو جمع سورة ، وهي القطعة من البناء ، وهذا كما تقول : تسنمت الحائط أو البعير ، إذا علوت على سنامه. و (الْمِحْرابَ) : الموضع الأرفع من القصر أو المسجد ، وهو موضع التعبد ، والعامل في : (إِذْ) الأولى (نَبَأُ) وقيل : (أَتاكَ). والعامل في : (إِذْ) الثانية (تَسَوَّرُوا) ، وقيل هي بدل من (إِذْ) الأولى وقوله تعالى : (فَفَزِعَ مِنْهُمْ) يحتمل أن يكون فزعه من الداخلين أنفسهم لئلا يؤذوه ، وإنما فزع من حيث دخلوا من غير الباب ودون استئذان ، وقيل إن ذلك كان ليلا ، ذكره الثعلبي ، ويحتمل أن يكون فزعه من أن يكون أهل ملكه قد استهانوه حتى ترك بعضهم الاستئذان ، فيكون فزعه على فساد السيرة لا من الداخلين. ويحتمل قولهم : (لا تَخَفْ) أنهم فهموا منه عليهالسلام خوفه.
وهنا قصص طول الناس فيها ، واختلفت الروايات به ، ولا بد أن نذكر منه ما لا يقوم تفسير الآية إلا به ، ولا خلاف بين أهل التأويل أنهم إنما كانوا ملائكة بعثهم الله ضرب مثل لداود عليهالسلام ، فاختصموا إليه في نازلة قد وقع هو في نحوها ، فأفتى بفتيا هي واقفة عليه في نازلته ، ولما شعر وفهم المراد ، خر وأناب واستغفر ، وأما نازلته التي وقع فيها ، فروي أنه عليهالسلام جلس في ملإ من بني إسرائيل فأعجب بعمله ، وظهر منه ما يقتضي أنه لا يخاف على نفسه الفتنة ، ويقال بل وقعت له في مثل هذا مجاورة مع الملكين الحافظين عليه فقال لهما : جرباني يوما ، فإني وإن غبتما عني لا أواقع مكروها. وقال السدي : كان داود قد قسم دهره : يوما يقضي فيه بين الناس ، ويوما لعبادته ، ويوما لشأن نفسه ، ففتن يوم خلوه للعبادة لما تمنى أن يعطى مثل فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، والتزم أن يمتحن كما امتحنوا ، وقيل في السبب غير هذا مما لا يصح تطويله. قال ابن عباس ما معناه : أنه أخذ داود يوما في عبادته وانفرد في محرابه يصلي ويسبح إذ دخل عليه طائر من كوة ، فوقع بين يديه ، فروي أنه كان طائرا حسن الهيئة : حمامة ، فمد داود يده ليأخذه فزال مطمعا له فما زال يتبعه حتى صعد الكوة التي دخل منها فصعد داود ليأخذه ، فتنحى له الطائر ، فتطلع داود عليهالسلام ، فإذا هو بامرأة تغتسل عريانة ، فرأى منظرا جميلا فتنه ، ثم إنها شعرت به ، فأسبلت شعرها على بدنها فتجللت به ، فزاده ولوعا بها ، ثم إنه انصرف وسأل عنها ، فأخبر أنها امرأة رجل من جنده يقال له : أوريا وإنه في بعث كذا وكذا ، فيروى أنه كتب إلى أمير تلك الحرب أن قدم فلانا يقاتل عند التابوت ، وهو موضع بركاء الحرب قلما يخلص منه أحد ، فقدم ذلك الرجل حتى استشهد هنالك. ويروى أن داود كتب أن يؤمر ذلك الرجل على جملة من الرجال ، وترمى به الغارة والوجوه الصعبة من الحرب ، حتى قتل في الثالثة من نهضاته ، وكان لداود فيما روي تسع وتسعون امرأة ، فلما جاءه الكتاب بقتل من قتل في حربه ، جعل كلما سمي رجل يسترجع ويتفجع ، فلما سمي الرجل قال : كتب الموت على كل نفس ، ثم إنه خطب المرأة وتزوجها ، فكانت أم سليمان فيما روي عن قتادة فبعث الله تعالى إليه