وقال مجاهد : «الجوابي» جمع جوبة وهي الحفرة العظيمة في الأرض.
قال الفقيه الإمام القاضي : ومنه قول الأعشى : [الطويل]
نفى الذم عن آل المحلق جفنة |
|
كجابية الشيخ العراقيّ تفهق |
وأنشده الطبري : تروح على آل المحلق ، ويروى السيح بالسين غير نقط ، وبالحاء غير نقط أيضا ، وهو الماء الجاري على وجه الأرض ، ويروى بالشين والخاء منقوطين ، فيقال أراد كسرى ويقال أراد شيخا من فلاحي سواد العراق غير معين وذلك أنه لضعفه يدخر الماء في جابيته ، فهي تفهق أبدا فشبهت الجفنة بها لعظمها ، قال مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد «الجوابي» الحياض ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي «كالجواب» بغير ياء في الوصل والوقف ، وقرأ أبو عمرو وعيسى بغير ياء في الوقف وياء في الوصل ، وقرأ ابن كثير بياء فيهما ، ووجه حذف الياء التخفيف والإيجاز ، وهذا كحذفهم ذلك من القاض والغاز والهاد ، وأيضا فلما كانت الألف واللام تعاقب التنوين وكانت الياء تحذف مع التنوين وجب أن تحذف مع ما عاقبه كما يعملون للشيء أبدا عمل نقيضه ، و (راسِياتٍ) معناه ثابتات لكبرها ليست مما ينقل ولا يحمل. ولا يستطيع على عمله إلا الجن وبالثبوت فسرها الناس ، ثم أمروا مع هذه النعم بأن يعملوا بالطاعات ، وقوله تعالى : (شُكْراً) يحتمل أن يكون نصبه على الحال ، أي اعملوا بالطاعات في حال شكر منكم لله على هذه النعم ، ويحتمل أن يكون نصبه على جهة المفعول ، أي اعملوا عملا هو الشكر كأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي نفسها الشكر إذ سدت مسده ، وفي الحديث إن النبي صلىاللهعليهوسلم صعد المنبر فتلا هذه الآية ثم قال : «ثلاث من أوتيهن فقد أوتي العمل شكرا العدل في الغضب والرضى والقصد في الفقر والغنى وخشية الله في السر والعلانية» ، وروي أن داود عليهالسلام قال يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك وإلهامي وقدرتي على شكرك نعمة لك ، فقال : يا داود الآن عرفتني حق معرفتي ، وقال ثابت : روي أن مصلى داود لم يخل قط من قائم يصلي ليلا ونهارا كانوا يتناوبونه دائما ، وكان سليمان عليهالسلام فيما روي يأكل خبز الشعير وطعم أهله الخشكار ويطعم المساكين الدرمك ، وروي أنه ما شبع قط فقيل له في ذلك فقال : أخاف أن أنسى الجياع ، وقوله تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) يحتمل أن تكون مخاطبة لآل داود ، ويحتمل أن تكون مخاطبة لآل محمدصلىاللهعليهوسلم ، وعلى كل وجه ففيها تنبيه وتحريض ، وسمع عمر بن الخطاب رجلا يقول : اللهم اجعلني من القليل ، فقال له عمر : ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل : أردت قوله عزوجل : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) ، فقال عمر رحمهالله : كل الناس أعلم من عمر.
قال الفقيه الإمام القاضي : وقد قال تعالى (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) [ص : ٢٤] ، والقلة أيضا بمعنى الخمول منحة من الله تعالى ، فلهذا الدعاء محاسن.
قوله عزوجل :
(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ