يرويها لنا أبو الفرج الأصفهاني وابن عبـد ربّه الأندلسي ، قالا : قال إسحاق ابن إبراهيم الموصليّ : لمّا أفضت الخلافة إلى المأمون ، أقام عشرين شهراً لم يسمع حرفاً من الغناء ، ثمّ كان أوّل مَنْ تغنّى بحضرته أبو عيسى ، ثمّ واظب على السماع ، وسأل عنّي فجرّحني عنده بعض مَن حَسدني ، فقال : ذلك رجل يتيه على الخلافة ، فقال المأمون : ما أبقى هذا من التيه شيئاً. وأمسك عن ذكري ، وجفاني كلّ من كان يصلني ؛ لِما ظهر من سوء رأيه ، فأضرّ ذلك بي ، حتّى جاءني يوماً علّوية فقال لي : أتأذن لي اليوم في ذكرك فإنّي اليوم عنده؟!
فقلت : لا ، ولكن غنّه بهذا الشعر ، فإنّه سيبعثه على أن يسألك من أين هذا؟ فينفتح لك ما تريد ، ويكون الجواب أسهل عليك من الابتداء.
فمضى علّوية فلمّا استقرّ به المجلس غنّاه الذي أمره به ، وهو : ... ـ وذكر البيتين السابقين ـ.
فلمّا سمعه المأمون قال : ويلك! لمن هذا؟
قال : يا سيّدي! لعبدٍ من عبيدك جفوته وأطرحته!
قال : إسحاق؟!
قلت : نعم.
قال : ليحضر الساعة.
قال إسحاق : فجاءني الرسول ، فسرتُ إليه ، فلمّا دخلتُ قال : ادن ، فدنوت ، فرفع يديه مادّهما فانكفأت عليه ، فاحتضنني بيديه ، وأظهر من إكرامي وبرّي ما لو أظهره صديق لي مواسٍ لسرّني (١).
____________
(١) الأغاني ٥ / ٣٩٤ ، العقد الفريد ٧ / ٣٥ ـ ٣٦.