وكان محمّد بن الحنفيّة لقاه عند خروجه وقال : يا أخي ! أنت أعزّ خلق الله علَيّ ولستُ ادّخرك نصيحتي ؛ تنحّ عن الأمصار ما استطعت ، ثمّ ابْعث رسُلَك إلىٰ الشام (١) ! فادْعهم إلىٰ نفسك ، فإن بايعوك حَمِدْتَ الله عليه ، وإن اجتمع علىٰ غيرك لم يَنْقصِ الله بذلك دينَك ولا عقلَك ، ولا يُذهب به مروّتك ولا فضلك . .
إنّي أخاف أن تأتي مصراً من الأمصار فيختلف الناس بينهم ، فمنهم طائفة معك وأُخرىٰ عليك ، فيقتتلون ، فتكون لأوّل الأسنّة ، فإذا خير هذه الأُمّة نفساً وأباً وأُمّاً أضْيَعُها دَماً وأذلّها أهْلاً .
قال له : فأين أذهب يا أخي ؟!
قال : انزل مكّة ، فإن اطمأنّت بك الدار فسبيل ذلك ، وإن نَبَتْ بك لحقتَ بالرمال وشِعَف الجبال ، وتنقّلتَ من بلد إلىٰ بلد حتّىٰ يفرق لك الرأي ؛ فتستقبل الأُمور استقبالاً ، ولا تستدبرها استدباراً .
قال : يا أخي ! قد أشفقت ونصحت (٢) .
وقال له ابن عبّاس : يا بن عمّ ! إنّه قد أرجف الناس أنّك سائرٌ إلىٰ العراق ، فبيّن لي ما أنت صانعٌ ؟!
فقال له : إنّي قد أجمعتُ المسير إلىٰ العراق ، وفي آخر يومَيّ هذين إن شاء الله .
قال ابن عبّاس : أُعيذك بالله من ذلك ! فاخبرني رحمك الله ، أتسير إلىٰ قومٍ قد قتلوا أميرهم وضبطوا بلادَهم ونفَوْا عدوّهم ؟! فإن كانوا فعلوا
__________________
(١) كذا في الأصل ؛ ولكن في تاريخ الطبري : تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثمّ ابعث رسلك إلىٰ الناس فادْعهم إلىٰ نفسك .
(٢) تاريخ الطبري ٥ / ٣٤١ ـ ٣٤٢ .