وقال ابن عباس : (غَسَقِ اللَّيْلِ) بدؤه ، ونصب قوله (وَقُرْآنَ) بفعل مضمر تقديره واقرأ قرآن ، ويصح أن ينصب عطفا على الصلاة ، أي «وأقم قرآن الفجر» ، وعبر عن صلاة الصبح خاصة ب «القرآن» لأن القرآن هو عظمها ، إذ قراءتها طويلة مجهور بها ، ويصح أن ينصب قوله (وَقُرْآنَ) على الإغراء وقوله (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) معناه ليشهده حفظة النهار وحفظة الليل من الملائكة حسبما ورد في الحديث المشهور من قوله عليهالسلام : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر» ، الحديث بطوله من رواية أبي هريرة وغيره ، وعلى القول بذلك مضى الجمهور ، وذكر الطبري حديثا عن ابن عسكر من طريق أبي الدرداء ، في قوله (كانَ مَشْهُوداً) قال محمد بن سهل بن عسكر يشهده الله وملائكته ، وذكر في ذلك الحديث أن الله تعالى ينزل في آخر الليل ، ونحو هذا مما ليس بالقوي ، وقوله (وَمِنَ اللَّيْلِ مِنَ) للتبعيض ، التقدير ووقتا من الليل أي وقم وقتا ، والضمير في (بِهِ) عائد على هذا المقدر ويحتمل أن يعود على «القرآن» وإن كان لم يجر له ذكر مطلق كما هو الضمير مطلق ، لكن جرى مضافا إلى الفجر ، و (فَتَهَجَّدْ) معناه : فاطرح الهجود عنك ، والهجود النوم ، يقال هجد يهجد بضم الجيم هجودا إذا نام ، ومنه قول ذي الرمة : [الطويل]
ألا طرقتنا والرفاق هجود |
|
فباتت بعلات النوال تجود |
ومنه قول الحطيئة : [الطويل]
فحياك ود ما هداك لفتية |
|
وخوص بأعلى ذي طوالة هجد |
وهذا الفعل جار مجرى تحوب وتأثم وتحنث ، ومثله (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) [الواقعة : ٦٥] معناه تندمون ، أي تطرحون الفاكهة عن أنفسكم وهي انبساط النفس وسرورها ، يقال رجل فكه إذا كان كثير السرور والضحك ، فالمعنى وقتا من الليل اسهر به في صلاة وقراءة ، وقال الأسود وعلقمة وعبد الرحمن بن الأسود : «التهجد» بعد نومة ، وقال الحجاج بن عمرو إنما «التهجد» بعد رقدة ، وقال الحسن : التهجد» ما كان بعد العشاء الآخرة ، وقوله (نافِلَةً لَكَ) قال ابن عباس وغيره : معناه زيادة لك في الفرض ، قالوا : وكان قيام الليل فرضا على النبي صلىاللهعليهوسلم.
قال القاضي أبو محمد : وتحتمل الآية أن يكون هذا على وجه الندب في التنفل ، ويكون الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والمراد هو وأمته كخطابه في قوله «أقم الصلوات» الآية. وقال مجاهد : إنما هي (نافِلَةً) للنبي صلىاللهعليهوسلم لأنه مغفور له والناس يحطون بمثل ذلك خطاياهم ، وبين أن النبي صلىاللهعليهوسلم منذ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر عام الحديبية فإنما كانت نوافله واستغفاره فضائل من العمل وقربا أشرف من نوافل أمته ، لأن هذا إما أن تجبر بها فرائصهم حسب الحديث ، وإما أن تحط بها خطاياهم ، وقد يتصور من لا ذنب له ينتفل فيكون تنفله فضيلة ، كنصراني يسلم وصبي يحتلم ، وضعف الطبري قول مجاهد. وقوله (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) عزة من الله عزوجل لرسوله ، وهو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء حتى ينتهي إليه عليهالسلام ، والحديث بطوله في البخاري ومسلم ، فلذلك اختصرناه ، ولأجل ذلك الاعتمال الذي له في مرضاة جميع العالم مؤمنهم وكافرهم قال : «أنا سيد ، ولد آدم