الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن : ١١] ، وقوله (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) [الممتحنة : ٣] ، وقوله (سُنَّةَ) نصب على المصدر ، وقال الفراء نصبه على حذف الخافض ، لأن المعنى كسنة ، فحذفت الكاف ونصب ويلزمه على هذا أن لا يقف على قوله (قَلِيلاً) ، ومعنى الآية الإخبار أن سنة الله تعالى في الأمم الخالية وعادته أنها إذا أخرجت نبيها من بين أظهرها نالها العذاب واستأصلها الهلاك فلم تلبث بعده إلا قليلا ، وقوله (أَقِمِ الصَّلاةَ) الآية ، هذه بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة ، فقال ابن عمر وابن عباس وأبو بردة والحسن والجمهور : «دلوك الشمس» زوالها ، والإشارة إلى الظهر والعصر ، و (غَسَقِ اللَّيْلِ) أشير به إلى المغرب والعشاء ، (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) أريد به صلاة الصبح ، فالآية على هذا تعم جميع الصلوات وروى ابن مسعود أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أتاني جبريل (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) حين زالت فصلى بي الظهر» ، وروى جابر أن النبي صلىاللهعليهوسلم خرج من عنده وقد طعم وزالت الشمس ، فقال اخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس ، وقال ابن مسعود وابن عباس وزيد بن أسلم : «دلوك الشمس» غروبها ، والإشارة بذلك إلى المغرب ، و (غَسَقِ اللَّيْلِ) اجتماع ظلمته ، فالإشارة إلى العتمة ، (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) صلاة الصبح ، ولم تقع إشارة على هذا إلى الظهر والعصر ، والقول الأول أصوب لعمومه الصلوات ، وهما من جهة اللغة حسنان ، وذلك أن الدلوك هو الميل في اللغة فأول الدلوك هو الزوال ، وآخره هو الغروب ، ومن وقت الزوال إلى الغروب يسمى دلوكا ، لأنها في حالة ميل ، فذكر الله الصلوات التي في حالة «الدلوك» وعنده ، فيدخل في ذلك الظهر والعصر والمغرب ويصح أن تكون المغرب داخلة في (غَسَقِ اللَّيْلِ) ، ومن الدلوك الذي هو الميل قول الأعرابي للحسن بن أبي الحسن أيدالك الرجل امرأته يريد أيميل بها إلى المطل في دينها فقال له الحسن نعم إذا كان ملفجا ، أي عديما ، ومنه قول ذي الرمة : [الطويل]
مصابيح ليست باللواتي تقودها |
|
نجوم ولا بالآفلات الدوالك |
ومن ذلك قول الشاعر : [الرجز]
هذا مكان قدمي رباح |
|
غدوة حتى دلكت براح |
يروى براح بكسر الباء ، قال أبو عبيدة الأصمعي وأبو عمرو الشيباني ومعناه براحة الناظر يستكف بها أبدا لينظر كيف ميلها وما بقي لها ، وهذا نحو قول الحجاج : [الرجز]
والشمس قد كادت تكون دنفا |
|
دفعها بالراح كي تزحلقا |
وذكر الطبري عن ابن مسعود أنه قال : دلكت براح يعني براح مكانا. قال : فإن كان هذا من تفسير ابن مسعود فهو أعلم ، وإن كان من كلام راو فأهل الغريب أعلم بذلك ، ويروى أن البيت الأول : «غدوة حتى هلكت براح» ، بفتح الباء على وزن قطام وحذام ، وهو اسم من أسماء الشمس ، وغسق الليل اجتماعه وتكاثف ظلمته ، وقال الشاعر : [المديد]
آب هذا الليل إذ غسقا