ويروى وهلالها ، وقال بعض أصحاب المعاني ، لا يجوز هذا لأنه لا يقال لله تعالى عمر ، وإنما يقال بقاء أزلي ذكره الزهراوي ، وكره إبراهيم النخعي أن يقول الرجل لعمري لأنه حلف بحياة نفسه ، وذلك من كلام ضعفة الرجال ، ونحو هذا ، قول مالك في «لعمري» و «لعمرك» أنها ليست بيمين ، وقال ابن حبيب ينبغي أن تصرف (لَعَمْرُكَ) في الكلام اقتداء بهذه الآية ، و (يَعْمَهُونَ) يرتبكون ويتحيرون ، والضمائر في (سَكْرَتِهِمْ) يراد بها قوم لوط المذكورون ، وذكر الطبري أن المراد قريش ، وهذا بعيد لأنه ينقطع مما قبله ومما بعده ، وقوله (لَفِي سَكْرَتِهِمْ) مجاز وتشبيه ، أي في ضلالتهم وغفلتهم وإعراضهم عن الحق ولهوهم ، و (يَعْمَهُونَ) معناه يتردون في حيرتهم ، و (مُشْرِقِينَ) معناه قد دخلوا في الإشراق وهو سطوع ضوء الشمس وظهوره قاله ابن زيد.
قال القاضي أبو محمد : وهذه «الصيحة» هي صيحة الوجبة وليست كصيحة ثمود ، وأهلكوا بعد الفجر مصبحين واستوفاهم الهلاك مشرقين ، وخبر قوله (لَعَمْرُكَ) محذوف تقديره لعمرك قسمي أو يميني ، وفي هذا نظر ، وقرأ ابن عباس «وعمرك» ، وقرأ الأشهب العقيلي «لفي سكرتهم» بضم السين ، وقرأ ابن أبي عبلة «لفي سكراتهم» ، وقرأ الأعمش «لفي سكرهم» بغير تاء ، وقرأ أبو عمرو في رواية الجهضمي «أنهم في سكرتهم» بفتح الألف ، وروي في معنى قوله (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) أن جبريل عليهالسلام اقتلع المدينة بجناحيه ورفعها حتى سمعت ملائكة السماء صراخ الديكة ونباح الكلاب ثم قلبها وأرسل الكل ، فمن سقط عليه شيء من جرم المدينة مات ، ومن أفلت منهم أصابته (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) ، و (سِجِّيلٍ) اسم من الدنيا ، وقيل لفظة فارسية ، وهي الحجارة المطبوخة من الطين كالآجر ونحوه ، وقد تقدم القول في هذا ، و «المتوسمون» قال مجاهد المتفرسون ، وقال الضحاك الناظرون ، وقال قتادة المعتبرون ، وقيل غير هذا مما هو قريب منه ، وهذا كله تفسير بالمعنى ، وأما تفسير اللفظة فإن المعاني التي تكون في الإنسان وغيره من خير أو شر يلوح عليه وسم عن تلك المعاني ، كالسكون والدماثة واقتصاد الهيئة التي تكون عن الخير ونحو هذا ، فالمتوسم هو الذي ينظر في وسم المعنى فيستدل به على المعنى ، وكأن معصية هؤلاء أبقت من العذاب والإهلاك وسما ، فمن رأى الوسم استدل على المعصية به واقتاده النظر إلى تجنب المعاصي لئلا ينزل به ما نزل بهم ، ومن الشعر في هذه اللفظة قول الشاعر : [الطويل]
توسمته لما رأيت مهابة |
|
عليه وقلت المرء من آل هاشم |
وقال آخر :
فظللت فيها واقفا أتوسم
وقال آخر :
إني توسمت فيك الخير نافلة
والضمير في قوله (وَإِنَّها) يحتمل أن يعود على المدينة المهلكة ، أي أنها في طريق ظاهر بين للمعتبر ، وهذا تأويل مجاهد وقتادة وابن زيد ، ويحتمل أن يعود على الآيات ، ويحتمل أن يعود على الحجارة ، ويقوي هذا التأويل ما روي أن النبي عليهالسلام قال : «إن حجارة العذاب معلقة بين السماء