قال القاضي أبو محمد : والاحتمال الأول عندي أرجح ، وهو الظاهر من آيات غير هذه السورة ، وقوله (يَسْتَبْشِرُونَ) أي بالأضياف طمعا منهم في الفاحشة ، و «الضيف» مصدر وصف به ، فهو يقع للواحد والجميع والمذكر والمؤنث ، وقولهم (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) روي أنهم قد تقدموا إليه في أن لا يضيف أحدا ولا يجيره ، لأنهم لا يراعونه ولا يكتفون عن طلب الفاحشة فيه ، وقرأ الأعمش «إن دابر» بكسر الهمزة وروي أن في قراءة عبد الله «وقضينا إليه ذلك الأمر وقلنا إن دابر هؤلاء مقطوع» ، وذكر السدي أنهم إنما كانوا يفعلون الفاحشة مع الغرباء ولا يفعلونها بعضهم ببعض ، فكانوا يعترضون الطرق ، وقول لوط عليهالسلام (هؤُلاءِ بَناتِي) اختلف في تأويله ، فقيل أراد نساء أمته لأن زوجات النبيين أمهات الأمم وهو أبوهم فالنساء بناته في الحرمة والمراد بالتزويج ، ويلزم هذا التأويل أن يكون في شرعه جواز زواج الكافر للمؤمنة ، وقد ورد أن المؤمنات به قليل جدا ، وقيل إنما أراد بنات صلبه ودعا إلى التزويج أيضا قاله قتادة ويلزم هذا التأويل أيضا ما لزم المتقدم في ترتيبنا.
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يريد بقوله عليهالسلام (هؤُلاءِ بَناتِي) بنات صلبه ، ويكون ذلك على طريق المجاز ، وهو لا يحقق في إباحة بناته وهذا كما تقول لإنسان تراه يريد قتل آخر اقتلني ولا تقتله فإنما ذلك على جهة التشنيع عليه والاستنزال من جهة ما واستدعاء الحياء منه ، وهذا كله من مبالغة القول الذي لا يدخله معنى الكذب بل الغرض منه مفهوم ، وعليه قول النبي عليهالسلام «ولو كمفحص قطاة» ، إلى غير هذا من الأمثلة و «العمر» و «العمر» بفتح العين وضمها واحد ، وهما مدة الحياة ، ولا يستعمل في القسم إلا بالفتح ، وفي هذه الآية شرف لمحمد عليهالسلام لأن الله تعالى أقسم بحياته ولم يفعل ذلك مع بشر سواه ، قاله ابن عباس.
قال القاضي أبو محمد : والقسم ب (لَعَمْرُكَ) في القرآن ، وب «لعمري» ونحوه في أشعار العرب وفصيح كلامها في غير موضع.
كقوله : [الطويل]
لعمري وما عمري عليّ بهين
وقول الآخر : [الوافر]
لعمر أبيك ما نسب المعالي
وكقول الآخر : [طرفة بن العبد] [الطويل]
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى |
|
لك الطّول المرخى وثنياه باليد |
والعرب تقول لعمر الله ، ومنه قول الشاعر :
إذا رضيت عليّ بنو قشير |
|
لعمر الله أعجبني رضاها |
وقال الأعشى : [الكامل]
ولعمر من جعل الشهور علامة |
|
فيها فبين نصفها وكمالها |