قال القاضي أبو محمد : يظهر من مجموع كلام سيبويه والمبرد أن الحرف يخفض به لا غير ، وأن الفعل هو الذي ينصب به ، فهذه اللفظة تستعمل فعلا وحرفا ، وهي في بعض المواضع فعل وزنه فاعل ، وذلك في قراءة من قرأ «حاشى لله» معناه مأخوذ من معنى الحرف ، وهو إزالة الشيء عن معنى مقرون به ، وهذا الفعل مأخوذ من الحشا أي هذا في حشى وهذا في حشى ، ومن ذلك قول الشاعر : [المعطل الهذلي].
يقول الذي يمسي إلى الحرز أهله |
|
بأي الحشى صار الخليط المباين |
ومنه الحاشية كأنها مباينة لسائر ما هي له ، ومن المواضع التي حاشى فيه فعل هذه الآية ، يدل على ذلك دخولها على حرف الجر ، والحروف لا تدخل بعضها على بعض ، ويدل على ذلك حذف الياء منها في قراءة الباقين «حاش» على نحو حذفهم من لا أبال ولا أدر ولو تر ، ولا يجوز الحذف من الحروف إلا إذا كان فيها تضعيف مثل : لعل ، فيحذف ، ويرجع عل ، ويعترض في هذا الشرط بمنذ وفد حذف دون تضعيف فتأمله.
قال القاضي أبو محمد : ومن ذلك في حديث خالد يوم مؤتة : فحاشى بالناس ، فمعنى «حاشى لله» أي حاش يوسف لطاعة الله أو لمكان من الله أو لترفيع الله له أن يرمي بما رميته به ، أو يدعى إله مثله لأن تلك أفعال البشر ، وهو ليس منهم إنما هو ملك ـ هكذا رتب أبو علي ـ الفارسي معنى هذا الكلام ، على هاتين القراءتين اللتين في السبع ـ وأما قراءة أبي بن كعب وابن مسعود ، فعلى أن «حاشى» حرف استثناء ـ كما قال الشاعر [ابن عطية] : [الكامل]
حاشى أبي ثوبان إنّ به |
|
ضنّا عن الملحاة والشتم |
وتسكين الشين في إحدى قراءتي الحسن ، ضعيف ، جمع بين ساكنين ، وقراءته الثانية محذوفة الألف من «حاشى».
قال القاضي أبو محمد : والتشبيه بالملك هو من قبيل التشبيه بالمستعظمات وإن كانت لا ترى.
وقرأ أبو الحويرث الحنفي والحسن «ما هذا بشر إن هذا إلا ملك كريم» بكسر اللام في «ملك» ، وعلى هذه القراءة فالكلام فصيح لما استعظمن حسن صورته قلن : ما هذا إلا مما يصلح أن يكون عبد بشراء ، إن هذا مما يصلح أن يكون ملكا كريما.
ونصب «البشر» من قوله : (ما هذا بَشَراً) هو على لغة الحجاز شبهت (ما) بليس ، وأما تميم فترفع ، ولم يقرأ به.
وروي أن يوسف عليهالسلام أعطي ثلث الحسن ، وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : أنه أعطي نصف الحسن ، ففي بعض الأسانيد هو وأمه ، وفي بعضها هو وسارة جدة أبيه.
قال القاضي أبو محمد : وهذا على جهة التمثيل ، أي لو كان الحسن مما يقسم لكان حسن يوسف يقع في نصفه ، فالقصد أن يقع في نفس السامع عظم حسنه على نحو التشبيه برؤوس الشياطين وأنياب الأغوال.