أن يكون قوله : (أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) بمعنى أخاف أن يصيبه مثل ما رأيت من أمر الذئب ـ وهذا بعيد ـ وكذلك يقول الربيع بن ضبع : [المنسرح]
والذئب أخشاه ......
إنما خصصه لأنه كان حيوان قطره العادي ، ويحتمل أن يخصصه يعقوب عليهالسلام لصغر يوسف : أي أخاف عليه هذا الحقير فما فوقه ، وكذلك خصصه الربيع لحقارته وضعفه في الحيوان ، وباقي الآية بيّن.
وقوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) الآية ، أسند الطبري إلى السدي قال : ذهبوا بيوسف وبه عليهم كرامة ، فلما برزوا في البرية أظهروا له العداوة ، وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه فجعل لا يرى منهم رحيما ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه ، فجعل يصيح ويقول : يا أبتاه يا يعقوب لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء ، فقال لهم يهوذا : ألم تعطوني موثقا أن لا تقتلوه؟ فانطلقوا به إلى الجب ، فجعلوا يدلونه فيتعلق بالشفير فربطوا يديه ونزعوا قميصه. فقال : يا إخوتاه ردوا عليّ قميصي أتوارى به في الجب ، فقالوا : ادع الشمس والقمر والكواكب تؤنسك ؛ فدلوه حتى إذا بلغ نصف الجب ألقوه إرادة أن يموت ، فكان في الجب ماء فسقط فيه ثم قام على صخرة يبكي ، فنادوه ، فظن أنهم رحموه ، فأجابهم ، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة ، فمنعهم يهوذا ، وكان يأتيه بالطعام.
وجواب «لما» محذوف تقديره : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا) أجمعوا ، هذا مذهب الخليل وسيبويه وهو نص لهما في قول امرئ القيس : [الطويل]
فلما أجزنا ساحية الحي وانتحى ......
ومثل هذا قول الله تعالى : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) [الصافات : ١٠٣] ـ وقال بعض النحاة ـ في مثل هذا ـ : إن الواو زائدة ـ وقوله مردود لأنه ليس في القرآن شيء زائد لغير معنى.
و (أَجْمَعُوا) معناه : عزموا واتفق رأيهم عليه ، ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم ـ في المسافر ـ «ما لم يجمع مكثا» ، على أن إجماع الواحد قد ينفرد بمعنى العزم والشروع ، ويتصور ذلك في إجماع إخوة يوسف وفي سائر الجماعات ـ وقد يجيء إجماع الجماعة فيما لا عزم فيه ولا شروع ولا يتصور ذلك في إجماع الواحد.
والضمير في (إِلَيْهِ) عائد إلى يوسف. وقيل على يعقوب ، والأول أصح وأكثر ، ويحتمل أن يكون الوحي حينئذ إلى يوسف برسول ، ويحتمل أن يكون بإلهام أو بنوم ـ وكل ذلك قد قيل ـ وقال الحسن : أعطاه الله النبوءة وهو في الجب.
قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد.
وقرأ الجمهور : «لتنبئنهم» بالتاء ، وفي بعض مصاحف البصرة بالياء ، وقرأ سلام بالنون ، وهذا كله في العلامة التي تلي اللام.