بينكم وبينهم ميثاق وهو مؤمن» وقال ابن عباس والشعبي وإبراهيم أيضا. المقتول من أهل العهد خطأ لا يبالى كان مؤمنا أو كافرا على عهد قومه فيه الدية كدية المسلم والتحرير ، واختلف على هذا في دية المعاهد ، فقال أبو حنيفة وغيره : ديته كدية المسلم ، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وقال مالك وأصحابه : ديته على نصف دية المسلم ، وقال الشافعي وأبو ثور : ديته على ثلث دية المسلم ، وقوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) الآية يريد عند الجمهور فمن لم يجد العتق ولا اتسع ماله له فيجزيه «صيام شهرين» متتابعين في الأيام لا يتخللها فطر ، وقال مكي عن الشعبي : «صيام الشهرين» يجزىء عن الدية والعتق لمن لم يجدها ، وهذا القول وهم ، لأن الدية إنما هي على العاقلة وليست على القاتل ، والطبري حكى القول عن مسروق ، و (تَوْبَةً) نصب على المصدر ومعناه رجوعا بكم إلى التيسير والتسهيل.
قوله تعالى :
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٩٣)
«المتعمد» في لغة العرب القاصد إلى الشيء ، واختلف العلماء في صفة المتعمد في القتل ، فقال عطاء وإبراهيم النخعي وغيرهما : هو من قتل بحديدة كالسيف أو الخنجر وسنان الرمح ونحو ذلك من المشحوذ المعد للقطع أو بما يعلم أن فيه الموت من ثقيل الحجارة ونحوه ، وقالت فرقة : «المتعمد» كل من قتل بحديدة كان القتل أو بحجر أو بعصا أو بغير ذلك ، وهذا قول الجمهور وهو الأصح ، ورأى الشافعي وغيره أن القتل بغير الحديد المشحوذ هو شبه العمد ، ورأوا فيه تغليظ الدية ، ومالك رحمهالله لا يرى شبه العمد ولا يقول به في شيء ، وإنما القتل عنده ما ذكره الله تعالى عمدا وخطأ لا غير ، والقتل بالسم عنده عمد ، وإن قال ما أردت إلا سكره ، وقوله : (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) تقديره عند أهل السنة ، فجزاؤه أن جازاه بذلك أي هو أهل ذلك ومستحقه لعظم ذنبه ، ونص على هذا أبو مجلز وأبو صالح وغيرهما وهذا مبني على القول بالمشيئة في جميع العصاة قاتل وغيره ، وذهبت المعتزلة إلى عموم هذه الآية ، وأنها مخصصة بعمومها لقوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨ ـ ١١٦] وتوركوا في ذلك على ما روي عن زيد بن ثابت أنه قال : نزلت الشديدة بعد الهينة ، يريد نزلت (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) بعد (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨ و ١١٦] فهم يرون أن هذا الوعيد نافذ حتما على كل قاتل يقتل مؤمنا ، ويرونه عموما ماضيا لوجهه ، مخصصا للعموم في قوله تعالى: (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨ و ١١٦] كأنه قال : إلا من قتل عمدا.
قال القاضي أبو محمد رحمهالله : وأهل الحق يقولون لهم : هذا العموم منكسر غير ماض لوجهه من جهتين ، إحداهما ما أنتم معنا مجمعون عليه من الرجل الذي بشهد عليه أو يقر بالقتل عمدا ويأتي السلطان أو الأولياء فيقام عليه الحد ويقتل قودا ، فهذا غير متبع في الآخرة ، والوعيد غير نافذ عليه إجماعا متركبا على الحديث الصحيح من طريق عبادة بن الصامت ، أنه من عوقب في الدنيا فهو كفارة له ، وهذا نقض