وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤) مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) (٨٦)
هذا أمر في ظاهر اللفظ للنبي عليهالسلام وحده ، لكن لم نجد قط في خبر أن القتال فرض على النبي صلىاللهعليهوسلم دون الأمة مدة ما ، المعنى ـ والله أعلم ـ أنه خطاب للنبي عليهالسلام في اللفظ ، وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه ، أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يستشعر أن يجاهد ولو وحده ، ومن ذلك قول النبي عليهالسلام «والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي» وقول أبي بكر وقت الردة : «ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي» ، وخلط قوم في تعلق الفاء من قوله (فَقاتِلْ) بما فيه بعد ، والوجه أنها عاطفة جملة كلام على جملة ، وهي دالة على اطراح غير ما أمر به ، ثم خص النبي عليهالسلام بالأمر بالتحريض ، أي الحث على المؤمنين في القيام بالفرض الواجب عليهم ، و (عَسَى) إذا وردت من الله تعالى فقال عكرمة وغيره : إنها واجبة ، لأنها من البشر متوقعة مرجوة ففضل الله تعالى يوجب وجوبها ، وفي هذا وعد للمؤمنين بغلبتهم للكفرة ، ثم قوى بعد ذلك ، قلوبهم بأن عرفهم شدة بأس الله ، وأنه أقدر على الكفرة ، (وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) لهم ، التنكيل : الأخذ بأنواع العذاب وترديده عليهم.
وقوله تعالى : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً) الآية. أصل الشفاعة والشفعة ونحوها من الشفع ، وهو الزوج في العدد ، لأن الشافع ثان لوتر المذنب ، والشفيع ثان لوتر المشتري ، واختلف في هذه الآية المتأولون ، فقال الطبري : المعنى من يشفع وتر الإسلام بالمعونة للمسلمين ، أو من يشفع وتر الكفر بالمعونة على الإسلام ، ودله على هذا التأويل ما تقدم من أمر القتال ، وقال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم : هي في شفاعات الناس بينهم في حوائجهم ، فمن يشفع لينفع فله نصيب ، ومن يشفع ليضر فله كفل ، وقال الحسن وغيره : «الشفاعة الحسنة» هي في البر والطاعة ، والسيئة هي في المعاصي ، وهذا كله قريب بعضه من بعض ، «والكفل» النصيب ، ويستعمل في النصيب من الخير ومن الشر ، وفي كتاب الله تعالى (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) [الحديد : ٢٨] و (مُقِيتاً) معناه قديرا ، ومنه قول الشاعر ، وهو الزبير بن عبد المطلب : [الوافر]
وذي ضغن كففت النّفس عنه |
|
وكنت على إذايته مقيتا |
أي قديرا ، وعبر عنه ابن عباس ومجاهد ، بحفيظ وشهيد ، وعبد الله بن كثير ، بأنه الواصب القيم بالأمور ، وهذا كله يتقارب ، ومنه قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقيت» على من رواها هكذا أي من هو تحت قدرته وفي قبضته من عيال وغيره ، وذهب مقاتل بن حيان ، إلى أنه الذي يقوت كل حيوان ، وهذا على أن يقال أقات بمعنى قات ، وعلى هذا يجيء قوله عليهالسلام «من يقيت» من أقات وقد حكى الكسائي «أقات» يقيت ، فأما قول الشاعر [السموأل بن عادياء] : [الخفيف]