درجة الزعم إذا قوي أن يكون مظنونا ، يقال : «زعم» بفتح الزاي وهو المصدر ، «وزعم» بضمها وهو الاسم وكذلك زعم المنافقين أنهم مؤمنون ، هو مما قويت فيه شبهة الإبطال لسوء أفعالهم ، حتى صححها الخبر من الله تعالى عنهم ، ومن هذا قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «بئس مطية الرجل زعموا» وقد قال الأعشى : [المتقارب]
ونبّئت قيسا ولم أبله |
|
كما زعموا خير أهل اليمن |
فقال الممدوح : وما هو إلا الزعم وحرمه ، وإذا قال سيبويه : زعم الخليل ، فإنما يستعملها فيما انفرد الخليل به ، وكان أقوى رتب «زعم» أن تبقى معها عهدة الخبر على المخبر ، و «أن» معمولة ل (يَزْعُمُونَ).
وقال عامر الشعبي وغيره : نزلت الآية في منافق اسمه بشر ، خاصم رجلا من اليهود ، فدعاه اليهودي إلى المسلمين لعلمه أنهم لا يرتشون ، وكان هو يدعو اليهودي إلى اليهود لعلمه أنهم يرتشون ، فاتفقا بعد ذلك على أن أتيا كاهنا كان بالمدينة فرضياه ، فنزلت هذه الآية فيهما وفي صنفيهما ، «فالذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل» على محمد هم المنافقون ، «والذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل» من قبله هم اليهود ، وكل قد أمر في كتابه بالكفر بالطاغوت ، و (الطَّاغُوتِ) هنا الكاهن المذكور ، فهذا تأنيب للصنفين ، وقال ابن عباس : (الطَّاغُوتِ) هنا هو كعب بن الأشرف ، وهو الذي تراضيا به ، فعلى هذا إنما يؤنب صنف المنافقين وحده ، وهم الذين آمنوا بما أنزل على محمد وبما أنزل من قبله بزعمهم ، لأن اليهود لم يؤمروا في شرعهم بالكفر بالأحبار ، وكعب منهم ، وذكر النقاش : أن كعبا هذا أصله من طيىء وتهود ، وقال مجاهد : نزلت في مؤمن ويهودي ، وقالت فرقة : نزلت في يهوديين.
قال القاضي أبو محمد رحمهالله : وهذان القولان بعيدان من الاستقامة على ألفاظ الآية ، وقال السدي : نزلت في المنافقين من قريظة والنضير ، وذلك أنهم تفاخروا بسبب تكافؤ دمائهم ، إذ كانت النضير في الجاهلية تدي من قتلت ، وتستقيد إذا قتلت قريظة منهم ، فأبت قريظة لما جاء الإسلام ، وطلبوا المنافرة ، فدعا المؤمنون منهم إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، ودعا المنافقون إلى أبي بردة الكاهن ، فنزلت الآية فيهم ، وحكى الزجّاج : أن المنافق المتقدم الذكر أو غيره اختصم عند النبي صلىاللهعليهوسلم فقضى في أمره ، فخرج وقال لخصمه : لا أرضى بحكمه ، فذهبا إلى أبي بكر فقضى بينهما ، فقال المنافق : لا أرضى ، فذهبا إلى عمر فوصفا له جميع ما فعلا ، فقال لهما : اصبرا حتى أقضي حاجة في منزلي ثم أخرج فأحكم بينكما ، فدخل وأخذ سيفه وخرج ، فضرب المنافق حتى برد ، وقال : هذا حكمي فيمن لم يرض بحكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت الآية ، وقال الحسن : احتكم المنافقون بالقداح التي يضرب بها عند الأوثان فنزلت الآية.
و (يُضِلَّهُمْ) معناه : يتلفهم ، وجاء (ضَلالاً) على غير المصدر ، تقديره : «فيضلون ضلالا» ، و (بَعِيداً) عبارة عن عظم الضلال وتمكنه حتى يبعد الرجوع عنه والاهتداء معه.
وقرأ الجمهور «تعالوا» بفتح اللام ، وقرأ الحسن فيما روى عنه قتادة «تعالوا» بضمة ، قال أبو الفتح : وجهها أن لام الفعل من «تعاليت» حذفت تخفيفا ، وضمت اللام التي هي عين الفعل ، وذلك لوقوع واو