إلى القرآن والشريعة ، أي : أولي هذا الأمر وهذا الشأن وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال : الإشارة هنا ب (أُولِي الْأَمْرِ) إلى أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم خاصة ، وحكي عن عكرمة أنها إشارة إلى أبي بكر وعمر خاصة ، وفي هذا التخصيص بعد ، وحكى بعض من قال : إنهم الأمراء أنها نزلت في أمراء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان السبب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث سرية فيها عمار بن ياسر ، وأميرها خالد بن الوليد ، فقصدوا قوما من العرب ، فأتاهم نذير فهربوا تحت الليل. وجاء منهم رجل إلى عسكر خالد ، فدخل إلى عمار فقال : يا أبا اليقظان ، إن قومي قد فروا ، وإني قد أسلمت ، فإن كان ينفعني إسلامي بقيت ، وإلا فررت ، فقال له عمار : هو ينفعك ، فأقم ، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد سوى الرجل المذكور فأخذه وأخذ ماله ، فجاء عمار فقال : خل عن الرجل فإنه قد أسلم وإنه في أمان مني ، فقال خالد : وأنت تجير؟ فاستبّا وارتفعا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأجاز أمان عمار ، ونهاه أن يجير الثانية على أمير ، واستبّا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال خالد : يا رسول الله أتترك هذا العبد الأجدع يسبني؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يا خالد لا تسب عمارا ، فإنه من سب عمارا سبه الله ، ومن أبغض عمارا أبغضه الله ، ومن لعن عمارا لعنه الله ، فغضب عمار ، فقام فذهب ، فتبعه خالد حتى اعتذر إليه فتراضيا ، فأنزل الله عزوجل قوله: (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وطاعة الرسول هي اتباع سنته ، قاله عطاء وغيره ، وقال ابن زيد : معنى الآية (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ).
قال القاضي أبو محمد : يريد «وسنته» بعد موته ، المعنى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ) فيما بينكم أو أنتم وأمراؤكم ، ومعنى التنازع أن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويذهبها ، والرد إلى الله : هو النظر في كتابه العزيز ، والرد إلى الرسول : هو سؤاله في حياته والنظر في سنته بعد وفاته عليهالسلام ، هذا قول مجاهد والأعمش وقتادة والسدي ، وهو الصحيح ، وقال قوم : معناه قولوا : الله ورسوله أعلم ، فهذا هو الرد ، وفي قوله : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) بعض وعيد ، لأن فيه جزاء المسيء العاتي ، وخاطبهم ب (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ) وهم قد كانوا آمنوا ، على جهة التقرير ، ليتأكد الإلزام ، و (تَأْوِيلاً) معناه : مآلا على قول جماعة ، وقال مجاهد : أحسن جزاء ، قال قتادة والسدي وابن زيد : المعنى أحسن عاقبة ، وقالت فرقة : المعنى أن الله ورسوله أحسن نظرا وتأولا منكم إذا انفردتم بتأولكم.
قوله تعالى :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (٦١)
تقول العرب : زعم فلان كذا ، في الأمر الذي يضعف فيه التحقيق وتتقوى فيه شبه الإبطال ، فغاية