بالتحليل والتحريم ، وروي عن ابن محيصن أنه قرأ ـ «ولا تبدلوا» ـ بإدغام التاء في التاء وجاز في ذلك الجمع بين ساكنين ، لأن أحدهما حرف مد ولين يشبه الحركة ، وقوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) استوى الأيتام في النهي عن أكل «أموالهم» ، كانوا ورثة ممنوعين من الميراث ومحجورين ، والآية نص في [النهي عن] قصد مال اليتيم بالأكل والتمول على جميع وجوهه ، وروي عن مجاهد أنه قال : الآية ناهية عن الخلط في الإنفاق ، فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفقة أيتامها فنهوا عن ذلك ، ثم نسخ منه النهي بقوله : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) [البقرة : ٢٢٠] وقد تقدم ذكر هذا في سورة البقرة ، وقال ابن فورك عن الحسن : إنه تأول الناس من هذه الآية النهي عن الخلط فاجتنبوه من قبل أنفسهم ، فخفف عنهم في آية البقرة ، وقالت طائفة من المتأخرين (إِلى) بمعنى مع ، وهذا غير جيد ، وروي عن مجاهد أن معنى الآية : ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم.
قال القاضي أبو محمد : وهذا تقريب للمعنى ، لا أنه أراد أن الحرف بمعنى الآخر ، وقال الحذاق : (إِلى) هي على بابها وهي تتضمن الإضافة ، التقدير : «لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم في الأكل» ، كما قال تعالى (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [آل عمران : ٥٢ ، الصف : ١٤] أي من ينضاف إلى الله في نصرتي والضمير في (إِنَّهُ) عائد على الأكل الذي تضمنه الفعل الظاهر ، والحوب الإثم ، قاله ابن عباس والحسن وغيرهما ، تقول : حاب الرجل يحوب حوبا وحابا وحوبا إذا أثم ، قال أمية بن الأسكر : [الوافر]
وإنّ مهاجرين تكنّفاه |
|
غداتئذ لقد خطئا وخابا |
وقرأ الحسن : «حوبا» بفتح الحاء ، وهي لغة بني تميم ، وقيل : هو بفتح الحاء المصدر وبضمها الاسم ، وتحوب الرجل إذا ألقى الحوب عن نفسه ، وكذلك تحنث وتأثم وتحرج ، فإن هذه الأربعة بخلاف تفعل كله ، لأن تفعل معناه الدخول في الشيء كتعبد وتكسب وما أشبهه ، ويلحق بهذه الأربعة تفكهون ، في قوله تعالى : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) [الواقعة : ٦٥] أي تطرحون الفكاهة عن أنفسكم ، بدليل قوله بعد ذلك (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) [الواقعة : ٦٦ و ٦٧] أي يقولون ذلك ، وقوله : (كَبِيراً) نص على أن أكل مال اليتيم من الكبائر.
وقوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) قال أبو عبيدة : (خِفْتُمْ) هنا بمعنى أيقنتم ، واستشهد بقول الشاعر : [دريد بن الصمة] : [الطويل]
فقلت لهم خافوا بألفي مدجّج
وما قاله غير صحيح ، ولا يكون الخوف بمعنى اليقين بوجه وإنما هو من أفعال التوقع ، إلا أنه قد يميل الظن فيه إلى إحدى الجهتين ، وأما أن يصل إلى حد اليقين فلا ، و (تُقْسِطُوا) معناه تعدلوا ، يقال : أقسط الرجل إذا عدل ، وقسط إذا جار ، وقرأ ابن وثاب والنخعي ، ـ «ألا تقسطوا» بفتح التاء من قسط على تقدير زيادة ـ لا ـ كأنه قال : (وَإِنْ خِفْتُمْ) أن تجوروا ، واختلف في تأويل الآية ، فقالت عائشة رضي الله عنها : نزلت في أولياء اليتامى الذين يعجبهم جمال ولياتهم ، فيريدون أن يبخسوهن في المهر لمكان ولايتهم عليهن ، فقيل لهم : أقسطوا في مهورهن ، فمن خاف ألا يقسط فليتزوج ما طاب له من الأجنبيات اللواتي