وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (٤٧)
هذا أمر بما فيه داعية النصر وسبب العز ، وهي وصية من الله متوجهة بحسب التقييد التي في آية الضعف ، ويجري مع معنى الآية قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا».
قال القاضي أبو محمد : وهكذا ينبغي أن يكون المسلم في ولاية الإمارة والقضاء لا يطلب ولا يتمنى ، فإن ابتلي صبر على إقامة الحق ، و «الفئة» الجماعة أصلها فئوة وهي من فأوت أي جمعت ، ثم أمر الله تعالى بإكثار ذكره هنالك إذ هو عصمة المستنجد ووزر المستعين ، قال قتادة : افترض الله ذكره عند أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ذكر خفي لأن رفع الأصوات في موطن القتال رديء مكروه إذا كان إلغاطا ، فأما إن كان من الجمع عند الحملة فحسن فاتّ في عضد العدو ، وقال قيس بن عباد : كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكرهون الصوت عند ثلاث : عند قراءة القرآن وعند الجنازة والقتال ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : اطلبوا إجابة الدعاء عند القتال وإقامة الصلاة ونزول الغيث ، وقال ابن عباس يكره التلثم عند القتال.
قال القاضي أبو محمد : ولهذا والله أعلم يتسنن المرابطون بطرحه عند القتال على ضنانتهم به و (تُفْلِحُونَ) تنالون بغيتكم وتبلغون آمالكم ، وهذا مثل قول لبيد : [الرجز]
أفلح بما شئت فقد يبلغ بالض |
|
ضعف وقد يخدع الأريب |
وقوله (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية استمرار على الوصية لهم والأخذ على أيديهم في اختلافهم في أمر بدر وتنازعهم ، و (فَتَفْشَلُوا) نصب بالفاء في جواب النهي ، قال أبو حاتم في كتاب عن إبراهيم «فتفشلوا» بكسر الشين وهذا غير معروف وقرأ جمهور الناس «وتذهب» بالتاء من فوق ونصب الباء ، وقرأ هبيرة عن حفص عن عاصم «وتذهب ريحكم» بالتاء وجزم الباء ، وقرأ عيسى بن عمر «ويذهب» بالياء من تحت وبجزم يذهب ، وقرأ أبو حيوة «ويذهب» بالياء من تحت ونصب الباء ، ورواها أبان وعصمة عن عاصم ، والجمهور على أن الريح هنا مستعارة والمراد بها النصر والقوة كما تقول : الريح لفلان إذا كان غالبا في أمر ، ومن هذا المعنى قول الشاعر وهو عبيد بن الأبرص : [البسيط]
كما حميناك يوم العنف من شطب |
|
والفضل للقوم من ريح ومن عدد |
وقال مجاهد : «الريح» النصر والقوة ، وذهبت ريح أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم حين نازعوه يوم أحد ، وقال زيد بن علي (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) معناه الرعب من قلوب عدوكم.
قال القاضي أبو محمد : وهذا حسن بشرط أن يعلم العدو بالتنازع ، وإذا لم يعلم فالذاهب قوة