قال القاضي أبو محمد : وهذا القول ضعيف ، وعليه فسر النقاش وذكره عن المازني ، والضمير على التأويلين من قوله (يُرِيكَهُمُ) عائد على الكفار من أهل مكة ، ومما يضعف ما روي عن الحسن أن معنى هذه الآية يتكرر في التي بعدها ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم مخاطب في الثانية أيضا ، وقد تظاهرت الرواية أن النبي صلىاللهعليهوسلم ، انتبه وقال لأصحابه أبشروا فلقد نظرت إلى مصارع القوم ، ونحو هذا ، وقد كان علم أنهم ما بين التسعمائة إلى الألف ، فكيف يراهم ببصره بخلاف ما علم ، والظاهر أنه رآهم في نومه قليلا قدرهم وحالهم وبأسهم مهزومين مصروعين ، ويحتمل أنه رآهم قليلا عددهم ، فكان تأويل رؤياه انهزامهم ، فالقلة والكثرة على الظاهر مستعارة في غير العدد ، كما قالوا : المرء كثير بأخيه ، إلى غير ذلك من الأمثلة ، والفشل الخور عن الأمر ، إما بعد التلبس وإما بعد العزم على التلبس و (لَتَنازَعْتُمْ) أي لتخالفتم و (فِي الْأَمْرِ) يريد في اللقاء والحرب و (سَلَّمَ) لفظ يعم كل متخوف اتصل بالأمر أو عرض في وجهه فسلم الله من ذلك كله ، وعبر بعض الناس أن قال «سلم لكم أمركم» ونحو هذا مما يندرج فيما ذكرناه ، وقوله (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بإيمانكم وكفركم مجاز بحسب ذلك ، وقرأ الجمهور من الناس «ولكنّ الله سلم» بشد النون ونصب المكتوبة وقرأت فرقة «ولكن الله» برفع المكتوبة ، وقوله (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ) الآية ، (وَإِذْ) عطف على الأولى ، وهذه الرؤية هي في اليقظة بإجماع ، وهي الرؤية التي كانت حين التقوا ووقعت العين على العين ، والمعنى أن الله تعالى لما أراد من إنفاذ قضائه في نصرة الإسلام وإظهاره قلل كل طائفة في عيون الأخرى ، فوقع الخلل في التخمين والحزر الذي يستعمله الناس في هذا التجسد كل طائفة على الأخرى وتتسبب أسباب الحرب ، وروي في هذا عن عبد الله بن مسعود أنه قال : لقد قلت ذلك اليوم لرجل إلى جنبي أتظنهم سبعين؟ قال بل هم مائة ، قال فلما هزمناهم أسرنا منهم رجلا فقلنا كم كنتم؟ قال ألفا.
قال القاضي أبو محمد : ويرد على هذا المعنى في التقليل ما روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين سأل عما ينحرون كل يوم ، فأخبر أنهم يوما عشرا ويوما تسعا ، قال هم ما بين التسعمائة إلى الألف ، فإما أن عبد الله ومن جرى مجراه لم يعلم بمقالة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإما أن نفرض التقليل الذي في الآية تقليل القدر والمهابة والمنزلة من النجدة ، وتقدم في مثل قوله (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) ، والأمر المفعول المذكور في الآيتين هو للقصة بأجمعها ، وذهب بعض الناس إلى أنهما لمعنيين من معاني القصة والعموم أولى ، وقوله (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) تنبيه على أن الحول بأجمعه لله وأن كل أمر فله وإليه ، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر والأعمش «ترجع» بفتح التاء وكسر الجيم ، قال أبو حاتم : وهي قراءة عامة الناس ، وقرأ الأعرج وابن كثير وأبو عمرو ونافع وغيرهم «ترجع» بضم التاء وفتح الجيم.
قوله عزوجل :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦)